م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - السيرة الذاتية لا تُكْتب بأسلوب واحد ولا شكل محدد.. فالأسلوب تحدده عاطفة الكاتب تجاه الحدث الذي يكتب عنه ومدى تأثيره في سيرته.. أما الشكل فهو يتراوح بين الاعترافات والرصد والذكريات والمذكرات واليوميات.. وغيرها من الصيغ الكتابية التي تصب في أدب السيرة الذاتية.
2 - كتابة السير الذاتية قد تكون التغريدة الأخيرة لصاحب السيرة، كما يقول الدكتور زكي نجيب محمود.. وقد تكون محاولة لتسجيل فكرة أو موقف أو تصرف في مدونة يمكن أن تكون إضافة ثراء للتجربة.. فكتابة السيرة ليس شرطاً أن تكون في ختام العمر.. بل يمكن أن تكون رصداً لتجربة مطلوب توثيقها.. أو لها صلة بالشأن العام بحيث تكون مفيدة لقراءة المشهد العام في ذلك الوقت، وربط حلقاته من خلال تدوين السيرة.. كل من موقعه ومكانته.
3 - تدوين السيرة ليس إبداعاً خيالياً يسبح فيه المبدع وحده ويتجول ويصور ويصف ويعرّف ويحكم.. فالسيرة هي قصة حياة معاصرة في تماس مع أشخاص معاصرين.. فهناك المسموح والجائز والممنوع.. وهذه تستدعي من صاحب السيرة أن يكون لديه فلتر عالي الحساسية تجاه نفسه وتجاه الآخرين.. فالسيرة هي توثيق لسمعة، وهنا مكمن خطورتها وأهميتها.
4 - الكتابة للذات هي إحدى وسائل تجسير العلاقة بين العقل والعاطفة في ذات الكاتب.. الجميل فيها أن الكاتب سوف يجد نفسه يكتب أشياء لم يعرفها عن نفسه.. فشعوره اللاواعي أصبح هو المتحكم في الكتابة.. وعقله الباطن أصبح هو مصدر ذلك الدفق الثري العميق عن ذاته.
5 - الكتابة للذات أصدق من الكتابة عن الذات؛ لأن الإنسان لا يرى نفسه إلا بمرآة أو من خلال أصدقاء أو أعداء أو نقاد.. فكيف تكتب صادقاً عن نفسك وأنت قريب جداً من المرآة؟ أيضاً حينما تكتب إلى ذاتك فأنت لا تكذب عليها بل تقول الحقيقة التي لن تقبلها من الآخرين.. نعم هناك من يكذب على نفسه أو يبالغ في جلد ذاته لكن هؤلاء قلة غير أسوياء وهم خارج موضوعنا هذا.
6 - الكتابة للذات ينتج عنها أحياناً استنطاق للمكبوت من المشاعر والذكريات التي تخبئها ولا تريد لها الظهور والشيوع.. لكنك أمام نفسك لا تجد حرجاً من استخراجها والنظر إليها وإعادة تأطيرها إن لزم.. وهذا يحول حالة الكبت المؤذية إلى حالة إظهار تصبح مريحة للنفس.
7 - اتفق الفلاسفة على أن العالم مسرح تُعْرض عليه مسرحية الحياة.. لذلك تعد كتابة السيرة الذاتية من أساليب السرد.. وهو الأسلوب المتبع في كتابة الروايات والمسرحيات.. لأنه أداة مرنة للتعبير دون الحاجة إلى الشرح والاستطراد أو الهوامش أو المراجع أو التلخيص أو المواعظ.. وهي قابلة أن تُرْوى شفاهة أو كتابة.
8 - كتابة السير تنقسم إلى قسمين: الأول: كتابة سيرة الغير.. وهي في الغالب كتابة ترجمة عن حياة شخصية شهيرة، سواء عاصرها الكاتب أو كانت شخصية تاريخية قديمة.. وهذا القسم هو الأقدم في التاريخ الإنساني.. فمنذ بزوغ الحضارات تخصص كتاب ومؤرخون للكتابة عن سيرة القائد أو الأحداث التي مرت بهم.. ثم هناك السيرة الذاتية وهي أحدث كثيراً من سير التراجم للغير.. فتطورها الكبير وتحولها إلى أحد فنون الأدب السردي كان في العصر الحديث.
9 - السيرة الذاتية تختلف عن المذكرات.. فالمذكرات هي تدوين كل ما يجري في زمن الكاتب أو ما يدور حوله من أحداث.. وهو لا يكتب عن نفسه إلا الشيء القليل كأن يقول «حضرت» أو «شاهدت» أو «سمعت» وأحياناً يقول «شاركت».. فلا يشترط في كتابة المذكرات أن يكون للكاتب دور فيها.. كما أنها تعتمد على التوثيق للوقائع التاريخية أكثر من الاعتماد على الذاكرة.