خالد بن حمد المالك
تسع زيارات (معلنة) قام بها وزير خارجية أمريكا لإسرائيل منذ السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي للتنسيق مع العدو على تسيير الحرب في غزة والتنسيق على ما يخدم واشنطن وتل أبيب، الزيارة الأخيرة كانت هذا الأسبوع لتبني شروط إسرائيل المعدلة لمبادرة الرئيس الأمريكي بهدنة بإيقاف القتال وتبادل الأسرى.
* *
وهذه التعديلات الإسرائيلية التي تبناها وزير خارجية أمريكا، واعتبرها موقفاً إيجابياً من رئيس وزراء إسرائيل، وزاد عليها بأن اجتماعه بنتنياهو لهذا الغرض كان بناءً، وهو ما ينسف كل ما كان موضع اتفاق سابق بين حماس وإسرائيل، ويهمّش مبادرة الرئيس بايدن.
* *
الجانب الفلسطيني يتمسك (حتى الآن) بالمبادرة الأمريكية، مع أنها تخدم إسرائيل أكثر، ويرى أن شروط إسرائيل تفرّغها من مضمونها، وتحقق بها إسرائيل كل أهدافها منذ بدء الحرب، حيث تلجأ تل أبيب إلى وضع شروط تعجيزية بهدف استمرار القتال، وتحميل حماس مسؤولية رفض إطلاق الأسرى لديها، هروباً من الضغط على الحكومة الإسرائيلية من قبل ذوي الأسرى وتحميلها المسؤولية عن ذلك.
* *
وإذا وافقت حماس، وهذا ممكن تحت الضغط ميدانياً وسياسياً الذي تواجهه، تكون بذلك قد خسرت كل شيء بسبب ما أسمته (طوفان القدس) الذي نتج عنه استشهاد 40 ألف فلسطيني، وإصابة 100 ألف مواطن فلسطيني جريح، وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، وتهديم قطاع غزة شبه الكامل، وفقدان حماس لما كانت تمتلكه من مسيّرات وصواريخ وأسلحة أخرى، واحتلال إسرائيل للقطاع، وتفريغه من حماس والجهاد وبقية الفصائل، وهناك خسائر معنوية ونفسية، وإنهاء أي فرصة لحماس لتهديد إسرائيل من قطاع غزة إذا ما استمر الاحتلال.
* *
وإسرائيل تتعامل دون اعتراض من موقع القوة المسنودة من أمريكا والغرب، وأيضاً مع تجاهل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن للحرب الإسرائيلية القذرة، ولم يعد لدى حماس الكثير من الأوراق التي تلعب بها، وتناور بها، غير هذه المناوشات الخفيفة، والاحتفاظ بالرهائن التي يمكن لإسرائيل أن تضحي بهم مقابل سيطرتها الكاملة على غزة، وهذا ما ستفعله إن تعقدت الحلول المطروحة، ولم تصل مع حماس إلى الحل الذي يخدم إسرائيل وتقبل به تل أبيب.
* *
موقف صعب تواجهه حماس، فالمناورة فيه محدودة، والعدو في حماية الدول الكبرى، ولا غرابة في استمراره بقتل الأبرياء، ضمن حرب الإبادة التي شنها ضد الفلسطينيين، وليس هناك من سبب يمنعه من رفض قرار المحكمة الدولية، بل طبيعي أن يسفّه الداعين إلى خيار الدولتين، بمن فيهم الأصدقاء والداعمون له، لأن هناك ما خفي وغير معلن عن المؤامرة على حقوق الفلسطينيين، وتأييد احتلال إسرائيل لأراضيهم من الدول العظمى.
* *
ولا يوجد في الأفق القريب أو البعيد ما يؤكد أن هناك حلولاً لهذه الأزمة التاريخية، فإسرائيل وهي الدولة الصغيرة المهددة - كما تقول - من جيرانها، تبدو وكأنها أقوى من كل دول العالم في فرض سياساتها على نحو ما يجري من عدوان ليس في قطاع غزة فقط، وإنما أيضاً في الضفة الغربية، وملاحقة الفلسطينيين أينما كانوا كما حدث مؤخراً مع إسماعيل هنية في إيران، امتداداً لما كان قد قتل من قيادات في تونس ولبنان وسوريا ودول أوروبا وغيرها.
* *
الفلسطينيون في مرحلة غاية في الخطورة والتعقيدات، فإقامة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس مستمرة، وسوف تعيد إسرائيل إقامتها في غزة بعد أن يتوقف القتال، وتكون لها اليد العليا، والسيطرة الكاملة، وليس هناك من معالجة لهذه الاعتداءات في ظل عدم تكافؤ القدرات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع يقيني بأن الفلسطينيين لن يستسلموا، ولن يتنازلوا عن حقوقهم ما بقي شبل أو طفل أو امرأة أحياء متشبثين بأرضهم وحقوقهم المسلوبة.