م.مصعب الداوود
تمر بنا الأيام ونحن سائرون فيها، تودعنا في يوم ونستقبلها في يوم آخر، إن الأيام في مجموعها هي الحياة كما قال الشاعر أحمد شوقي حيث وصف الحياة بأنها دقائق وثوان، ولعل أكثر ما يجعلنا سعيدين في هذه الحياة عندما تتحقق أمانينا وأيضاً عندما نجني ما عملناه طوال أعوام وشهور، وفي زحمة هذه الحياة وأثناء انشغالنا بأعمالنا وواجباتنا تواجهنا أحياناً بعض الصدمات التي لم تكن في الحسبان، هذه الصدمات لم نكن نتوقع أنها تحدث لنا في يوم من الأيام ليس لأنها غير واردة فكل شيء مقدر ولكن ما يجعلنا نتفاجأ أو (ننصدم) بها هي أنها تأتي في وقت لربما هو أهم الأوقات لدينا، حيث قد تكون هذه الصدمة مثلاً لشخص يستعد لحفل الزفاف وقد تجهز له منذ شهور ولكن يفاجئ قبل بضعة أيام من الزواج بحادث عابر كحادث سيارة أو إصابة رياضية تسبب إصابة خطيرة مثل إصابة الكسور في العظم قد تجعله لا يمارس حياته الطبيعية لفترة ليست بالقصيرة وقد تصل لثلاثة أشهر وأكثر، ونفس الأمر قد يحصل للموظف الذي ابتدأ مسيرته في تلك الوظيفة التي سعى لها سعياً حثيثاً واجتاز ما تحتاجه الوظيفة من الاختبارات المهنية التي تكلّف الآلاف واستجمع سنين الخبرات ثم في بداية مشواره الوظيفي الجديد وتحديداً فيما يُسمى في عقود العمل (فترة التجربة) يبدأ تلك البداية مستبشراً بمستقبله بالوظيفة واضعاً نصب عينيه الفترة القادمة من مشواره الوظيفي وكيف له أن يتطور ويتحسن، في هذه الفترة المهمة والتي يصعب أو يستحيل أن يفرط إنسان بها، إذ يفاجئ بتلك الصدمة وتلك الإصابة الخطيرة أثناء فترة التجربة، تلك الإصابة التي كانت ما بين منظر أهله وأصدقائه، إصابة في العظم جعلته مبتعداً عن حياته الطبيعية مدة شهرين أو أكثر، وهذا ما حصل مع كاتب هذا المقال، كانت هذه الصدمة التي واجهتها خلال الثلاثة الأشهر الأولى تساوي المصاعب والآلام التي واجهتها خلال ثلاثة عقود، ثلاثة شهور لكنها كثلاثين سنة، كانت ظروفاً استثنائية، حيث إن الإصابة كانت في الكتف الأيمن وهذا ما زاد الصعوبة لأن الإنسان يستخدم اليد في أكثر أنشطته اليومية، ففي عمله يستخدم الحاسوب، وعند قيادة السيارة وعند اللباس وعند تناول الطعام وعند المصافحة يستخدم يده أيضاً، لقد أثّرت تلك الإصابة على مسيرة العمل والواجبات الوظيفية، فعندما لا يستطيع الإنسان الحضور لبيئة العمل يكون قرار الاستغناء عنه طبيعياً، كانت صدمة قرار الاستغناء لا تقل عنصدمة الإصابة وآلامها، لم يكن يتخيل في يوم من الأيام أن تمر تلك الظروف في أهم فترة في عمر الإنسان الوظيفي، لكن هذه هي الحياة، يجب علينا أن نتقبلها وأن نعلم أن ما قُدِّر لنا ولجميع الناس فهو خير، وما دام أننا نتكلم عن الصدمات فإنه من المهم أن نستذكر آثار تلك الصدمات على الإنسان، أصعب تلك الآثار هو ما يتعلق بالحالة النفسية خصوصاً عندما يصل الشخص إلى مرحلة اليأس كمن يتملك مزرعة ويجمع البذور ويسقيها بالماء لسنوات ثم عندما يحين موعد الحصاد المنتظر بعد سنوات تأتي آفة تفسد جميع المزروعات، وهذا الأمر يجعل ذلك الشخص يُصاب باليأس والإحباط فمن المهم أن يتمالك مشاعره وأن يكثر من التعلّق بربه وخالقه وذلك من خلال الصبر ثم الصبر لما له من راحة وطمأنينة للنفس.