ليلى أمين السيف
دخل المعلم السويدي الفصل وشكله لا يبدو أنه معلم كما أعتدنا على هيئة المعلمين في بلادنا. فبنطاله المسحول والحلق في أذنيه والهيئة العامة ككل لا توحي أبدا بمهنته.
وسرعان أن عرف بنفسه وأذكر أنه تعمد إخراج من جيبه علبة سوداء مدورة، ثم أخرج مادة سوداء وكور شيئا ما، ثم وضعه في فمه.. فأصابتنا الدهشة جميعنا لتصرفه ذلك.
بعدها استرسل في حوار مطول بدأه بالسؤال «هل تعرفون ما هذا؟»، أجبته أنا إنه «نشوق»، أو كما يدعى بالعامية في بعض البلاد «شمّة».
وتحدث بفخر أنها تقليد سويدي.. فقلت له ولكنها مضرة بالصحة مثلها مثل الدخان وقد تكون أكثر ضرراً لأنها لصيقة باللثة ومنظر الشفاه المتورم مقزز.. بحثت في القاموس وأنا أحدثه كي أجد معنى مقززا بالذات.
فشرح لي أنه بفضل هذا «النشوق» أصبحت السويد بلدا شبه خال من التدخين كي ينعكس أضرار التدخين على المدخن ذاته لا على المحيطين به.
تحدثنا عن التقاليد في بعض البلاد، فقال في بلادنا لا نتعاطى القات، يوجد تقليد مضغ القات، فقلت له بل تخزينه وهي عادة لا أحبها والكثيرون يمارسونها بشكل هستيري ومقزز جدا..
«مرة أخرى تقولين مقززا» قال لي بصبر جميل. يتسم السويديون عموما بهدوء وبرود غير طبيعيين..
قلت له نعم مقزز.. أدهشني معرفته بتقاليد عديدة لدى بلداننا فقال..
«الشيشة مؤذية لصاحبها ومن يجاوره وكذلك الدخان بينما القات والشمة لا يؤذيان إلا صاحبهما.
هناك تقاليد في بلاد عديدة علينا احترامها وإلا ننتقص من أصحابها..
قد تكون بعض العادات في بعض الديانات حرام وقد تكون مقززة كما تقولين ولكن علينا إلا نحكم على شعب ما نتيجة لعادة قد تكون سيئة في نظر الآخرين بينما هي شيء طبيعي لدى الآخر..
هناك من العادات الاجتماعية لديكم في بلادكم العربية قد تبدو مقززة للآخرين وحراما أيضا بمقياسكم ومعياركم.. فغرنا أفواهنا جميعا وانتظرناه أن ينهي حديثه متحفزين وبذلنا جهدنا لإيصال ردودنا على ما قال بلغة سويدية مفهومة على الأقل. فأكمل حديثه موضحا أنه مبتلى بهذا النشوق منذ أن كان عمره 13 عاماً وهو يود أن يتوقف ويتمنى ذلك ولكن علينا احترام ثقافات الآخر وأكمل قائلا:
«سهركم طوال الليل وإسرافكم المهول في الطعام وتأخركم في المواعيد وعدم الالتزام بالوقت. كل هذا تفرضه عليكم أجواؤكم الحارة وتقاليدكم وأمور أخرى نجهلها لكن علينا احترام بعضنا بعضا وعلينا أن نتقبل الآخرين كما هم..
وأكمل قائلاً: نحن في السويد لا نؤمن بالله بل نؤمن بالطبيعة ومن المعيب أن تناقشيني في ديني وفي راتبي وعملي فهذه من الخصوصيات التي لا نحبها..
نحن شعب متحفظ.
ثم أردف أنا لا أعنيك أنت الآن ولكنني أتكلم على العموم وقد تعمدت أن أخذ النشوق أمامكم كي تعلموا أن تشاهدوا وتصمتوا.. وأن تتقبلوا ما يحدث بكل أريحية.. فما تستهجنونه أنتم هو بالنسبة لغيركم شيء طبيعي..
عش حياتك ودع للآخرين حياتهم.. لا تنتقد الآخرين على أفعالهم أو تصرفاتهم أو تقاليدهم أو حتى معتقداتهم.. الزم نفسك وإذا رأيت في قوم فعلا ما قد تراه مشينا لا تعيب عليهم ولكن وجه طاقاتك لتجنب ما تراه مشينا أو سيئا. علينا جميعا احترام التنوع الثقافي وتقبله. فلا تحكموا على هذه القيم أو العادات إنها خاطئة بل تقبلوا فكرة أنها مختلفة وحسب..
التقوقع في مكانك يجعلك أسير نفسك وعاداتك. إضافة أخيرة، سافر لتعرف الآخر أو أحضر مهرجاناتهم أو أبذل قليلا من وقتك وأقرأ عنهم واحترمهم..
الإنسان المثقف هو المدرك الذي يحترم غيره ليحترمه الآخرون وأعتقد أننا نتفق على أنه لا توجد طريقة «صحية « للتعايش مع الآخرين بدون تعزيز التفاهم والتسامح الثقافي بين البشر واحترام ثقافاتهم، وتقاليدهم الفريدة، والانصات لوجهات نظرهم والتي يمكن أن تثري حياتنا وتوسع آفاقنا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن احترام الثقافات الأخرى يعزز التفاهم، ويخلق عالما أكثر شمولاً وتسامحًا.
أخيرًا أبلغت معلمي أن ديننا هو دين الأخلاق وقد حثنا الله على احترام القيم والأمم من حولنا حيث يقول جل في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ}.
** **
- كاتبة يمنية مقيمة في السويد