خالد بن عبدالرحمن الذييب
تتعدد الوجوه، يظهرون بعضها ويخفون بعضها الآخر، بعضهم بدهاء وخبث، والبعض حفاظاً على خصوصيته الشخصية، فليس كل إنسان يريد أن يكون كتاباً مفتوحاً للجميع، فيختار العيش في الجانب الآخر.
وهي حالة يعيشها الإنسان مع ذاته دون أن يعكر أحد مزاجه ولا يدخله في هموم وإشكاليات أخرى من أي نوع كان، هي حالة صفاء ذهني تنتابك طوعاً أحياناً، وأحياناً تسحبها إليك غصباً، وأحياناً تبحث عنها ولا تجدها.
الجانب الآخر حالة إبداع وفيضان العقل بالتجليات الغرائبية وينتجها أصحابها بأشكال مختلفة إما كتابة أو أي وسيلة إبداع أخرى.
الجانب الآخر حياتك الأخرى بعيداً عن ضوضاء الأحداث وضجيج الجدل، فمن ليس لديه «جانب آخر» سيظل يعيش في الضوضاء والأحداث والضجيج والجدل.
العديد من المبدعين يعيش في جانب ويحيا في الجانب الآخر، فيوسف إدريس الذي «عاش» طبيباً «حيا» أديباً، وغازي القصيبي الذي «عمل» إدارياً «تنفس» كتابة في مختلف المجالات، وهناك من كان جانبه الآخر رسماً، وآخر شعراً وبعضهم أشغل جانبه الآخر في مناقشة أفضلية ميسي أم رونالدو!.
الجانب الآخر حياتك التي تحياها وتعيش في جانبك الأول من أجلها، الجانب الآخر هو فسحة الأمل التي تبحث عنها وتزيل كل آلامك واكتئابك فيها، فمن ليس لديه جانب آخر فإنه يتماشى مع الحياة ولا يحيا من أجلها، يقول الرافعي: «إذا لم تزد على الحياة شيئاً فأنت زائد عليها»، وقد لا نتفق مع العبارة بشكل كامل، ولكن لا شك أنها عبارة تحكي واقعاً بنسبة كبيرة، الاختلاف ليس على العبارة بحد ذاتها، ولكن في مفهوم الزيادة المقصودة، فالبعض يحصر الزيادة في الإنتاج الأدبي، وهذا غير صحيح، فالإنتاج الأدبي جزء من الزيادة، وكل إنتاج أنتجته البشرية ساهم فيه إنسان، بل كل مهمة عمل في نطاق دائرتك المهنية تنجزها حسب المطلوب هي زيادة على الإنسانية ساهم فيها من أنجزها.
الجانب الآخر من الحياة هو مآلك وراحتك عندما تفصل نفسك عن حياتك «المعيشية» لتندمج في حياتك الأخرى، حياتك مع نفسك، مع ذاتك، مع محيطك الصغير الذي لا يدخله معك إلا أنت وذاتك ونفسك، ثلاثة أقانيم تتحد في أقنوم واحد هو أنت، وتعيش فيه وحيداً كعرّاف يحيط ببلورته الزجاجية ويبدأ في تلاوة طلاسم لا يفهمها إلا هو، ولا يعيها إلا هو، ولكنها في النهاية قد تنطلق إلى عنان السماء وتحقق ما لم يحلم به إلا «هو»!..
أخيراً ...
إن كان لك جانبٌ آخر تمسك به وعض عليه بالنواجذ، وإن لم يكن هناك جانب فابحث عنه؛ لأنه حتماً موجود في مكان ما في داخلك، ولكن يحتاج منك لانتفاضة روحية حتى تجده...
ما بعد أخيراً ...
هو هناك... واقفاً... اتجه إليه... سوف يأتيك... «سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس».