مها محمد الشريف
إن الأحكام لا تتوقف أبداً حول الأشياء، وتسترجع الذكريات التاريخية نتائجها ذات النظام الاجتماعي الذي يتشابك مع فهم السياسة، فاليمين المتطرف يتجه لـ»اجتياح» برلمان أوروبا، فما هي التداعيات على القارة؟ مع انتخابات البرلمان الأوروبي، الذي يظهر أن الساحة السياسية الأوروبية على موعد مع «تحول جذري» قد يعيد رسم خارطة سياسات الاتحاد الأوروبي وتوازن القوى بداخل أروقته، حيث تكون السياسة في كل شيء وفي جميع العصور والبلدان، ويظل عملها مختلفاً دائماً ويتصف بالتحول والاختصاصات المتنوعة التي قد تخرج عن نطاقها، وذلك في ظل تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في أغلب أنحاء القارة وتوقعات تحقيقها مكاسب تاريخية في الاستحقاقات المقبلة.
وتكشف أحدث استطلاعات الرأي تنامي شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية في مختلف الدول الأوروبية، مما يرجح إمكانية تحقيقها لنتائج غير مسبوقة في الانتخابات المقررة، بعدما اختتم الناخبون في 21 دولة بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، انتخابات البرلمان الأوروبي، ويكمن الخوف هنا عند الذين يتنكرون للقانون الدولي باعتقادهم أنه يملك وسائل لا توافق مفهوم الواقع العملي للأداة السياسية في غاياتهم، وتظل التوقعات كبيرة بتحقيق الأحزاب اليمينية مكاسب غير مسبوقة قد تمنحها نفوذاً أكبر في رسم السياسات وصناعة القرار داخل الاتحاد الأوروبي.
بشكل عام تجري عمليات التصويت في عشرين دولة تقريباً لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي، في ختام ماراثون انتخابي قد يعيد تشكيل التوازنات السياسية في البرلمان الأوروبي، ودعي أكثر من 360 مليون أوروبي للإدلاء بأصواتهم لاختيار 720 عضواً في البرلمان الأوروبي، في انتخابات انطلقت من هولندا.
وبهذا المعنى العالم الغربي يواجه الكثير من العقبات التي يصعب التغلب عليها أمام اليمين المتطرف الذي يعدّ مصطلحاً سياسياً يطلق على التيارات والأحزاب السياسية ضمن محيطها السياسي، ولا مجال هنا للدخول في نقاش حول تحليل تاريخي أو شرح مفصل، بخاصة فيما يتعلق بكيفية هذه التيارات، وبداية ثنائية «اليمين واليسار» المصطلحَين الأساسيين في فرنسا في القرن الثامن عشر.
في مثل هذه الظروف معظم الكتابات السياسية تعايش الأفكار والآيديولوجيات التي تسود العصر، والتناقضات المتعددة، ففي فرنسا مثل هذا الحزب الجبهة الوطنية ذات الاتجاه المعادي للمهاجرين الذين يعانون فيه عدم المساواة العرقية والاجتماعية، وتفاقم العنف والفوضى خلال الأعوام الأخيرة بسبب صعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة.
كثيراً ما تعلمنا التجارب أن التغيير المفاجئ للقرارات، والاختيارات غير المتوقعة، أو تقلبات الرأي أو انتفاضة الإدارة البشرية إنما هي مواقف تضع العالم في حالة ارتباك، تنعكس سلباً على الأقليات الذين يعامَلون بشكل غير عادل من قِبل الشرطة والمجتمع؛ وهذا ما أجج الثورة الأخيرة بعد العنف الذي طال بعض المهاجرين.
ومن عادات المتطرف اليميني معاقبة كل من لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية، اتجاه الأجانب والمتحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق أوسطية، وقد أظهرت ثلاثة استطلاعات رأي، أن حزب التجمع الوطني المنتمي إلى تيار اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان يتصدر سباق الانتخابات البرلمانية الفرنسية متفوقاً على العديد من الأحزاب السياسية الأخرى.
فليس هناك اختلاف بين اليمين المتطرف في فرنسا أو السويد المهيمن على الانتخابات السويدية، وكثير من الدول الغربية وبخاصة بعدما أدلى الناخبون بأصواتهم في الانتخابات، حيث صعد اليمين المتطرف والتيارات المناهضة للهجرة، وحققت هذه الأحزاب المتطرفة مكاسب كبيرة في الانتخابات السويدية الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما أنه يعدّ الآن أكبر الأحزاب اليمينية.
ويبقى هذا التقسيم (اليمين واليسار) تراثاً خاصّاً بالثورة الفرنسية، أو من تراث المَجْمَع الدستوري الفرنسي، ويأخذ أشكالاً أخرى حسب الأزمنة، والنتيجة تكون تداخلاً في أي فعل سياسي أي دعم أو هدم لأركانه المتنوعة؛ فهذه الأحداث تحرك الحشود المتعصبة وتغير الوفاق الاجتماعي وله اعتبارات تقود إلى مجموعة من المشكلات المعقدة، فلربما من الممكن أن يتزايد الشعور بالإحباط والغضب والخوف عندما ارتفعت مستويات التأييد التي حظيت بها أحزاب أقصى اليمين وما تروّجه له من أفكار شعوبية متشددة، وتصعيداً للعنف.