سطام بن عبدالله آل سعد
تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة من المحركات الرئيسة لأي اقتصاد، حيث تشكل ركيزة مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وفي المملكة، تعد الهيئة العامة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة «منشآت» الجهة الرسمية المسؤولة عن تنظيم ودعم هذا القطاع الحيوي، الذي يلعب دورًا محوريًا ضمن رؤية 2030.
تسعى الرؤية إلى رفع مساهمة هذه المشروعات في الناتج المحلي الإجمالي من 20 % إلى 35 %، من خلال بناء بيئة محفزة وتطوير مجتمع ريادي بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين من كلا القطاعين العام والخاص.
تركز جهود «منشآت» على ثلاثة محاور استراتيجية مترابطة تهدف إلى دعم هذه المشروعات في دفع عجلة الاقتصاد السعودي نحو الاستدامة. يتمثل المحور الأول في خلق بيئة داعمة من خلال توفير الاحتياجات الأساسية، وتطوير البنية التحتية القانونية والمالية التي تشكل الأساس لنمو هذه المشروعات. يتم دمج هذا الجهد مع تحسين البيئة التنظيمية وتحديث الأنظمة والسياسات بالتنسيق مع الجهات المعنية لضمان إطار تنظيمي ملائم يدعم النمو المستدام.
أما الثاني فيتجلى في تقديم دعم شامل يهدف إلى رفع القدرة التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر تقديم الخدمات الإدارية والفنية اللازمة، وتحفيز الابتكار بتبني التقنيات الحديثة وتقديم حلول متخصصة مثل «حاسبة التكاليف» و»جدير». في حين أن المحور الثالث يركز على بناء مجتمع ريادي يرسخ ثقافة ريادة الأعمال، ويدعم الطموحات الريادية عبر برامج تدريبية ومبادرات استراتيجية مثل «أندية ريادة الأعمال الجامعية» و»طموح»، مما يسهم في رفع معدلات تأسيس الشركات الجديدة وزيادة الابتكار كقاعدة أساسية للتنمية المستدامة.
تشمل أدوار «منشآت» الرئيسة تطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال مجموعة متكاملة من المهام والاختصاصات الاستراتيجية التي تهدف إلى رفع كفاءة هذا القطاع وتحفيزه على النمو المستدام.
يبدأ هذا الدور بتعريف وتصنيف هذه المشروعات، لكي يتيح توجيه الدعم بشكل دقيق وفعّال، وتطوير السياسات التي تلبي احتياجات هذا القطاع الحيوي. كما تضطلع «منشآت» بمهمة إعداد وتحديث الاستراتيجية الوطنية بالتنسيق مع الجهات المعنية، مع اقتراح السياسات المناسبة ومتابعة تطبيقها لضمان تكوين بيئة تنظيمية ملائمة للنمو. إضافةً إلى ذلك، تعمل «منشآت» على ترويج منتجات التمويل بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، حيث تشجع المؤسسات المالية على تطوير حلول تمويلية مخصصة لتلبية احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي يعزز من قدرتها على التوسع والمنافسة في السوقين المحلي والدولي.
تؤكد هذه المهام الدور الريادي لـ «منشآت» في تمكين وتطوير هذا القطاع كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني.
كما توفر «منشآت» مجموعة شاملة من البرامج والخدمات المصممة خصيصاً لدعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. من بين هذه المبادرات برنامج «جدير»، الذي يسعى إلى تسهيل وصول هذه المشروعات للفرص الشرائية وربطها بالقطاعات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تأتي بوابة الموردين كأداة فعالة لتسهيل مشاركة المشروعات في تنفيذ مشاريع الهيئة، من خلال إنشاء قاعدة بيانات شاملة تربطهم مباشرة بالفرص المتاحة. ومن جهة أخرى، توفر خدمة «مزايا» إمكانية الحصول على خدمات القطاع الخاص بأسعار مخفضة، لتساهم في خفض تكاليف التشغيل وزيادة هامش الربحية.
أما خدمة «نوافذ منشآت»، فهي منصة شاملة تجمع كافة الخدمات تحت سقف واحد، مما يسهل على رواد الأعمال الوصول إلى الدعم اللازم بغية النمو والابتكار في بيئة أعمال ديناميكية. يعكس هذا التكامل بين البرامج والخدمات التزام «منشآت» بتقديم الدعم الشامل الذي يقوي قدرات المشروعات على المنافسة والابتكار، وبالتالي يحقق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة في المملكة.
علاوة على ذلك، تتبنى «منشآت» مجموعة من المراكز المتخصصة التي تهدف إلى دعم الابتكار وريادة الأعمال. يأتي في مقدمة هذه المراكز مركز الامتياز التجاري، الذي يسعى إلى تشجيع قطاع الامتياز التجاري وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال توفير البنية التحتية والخدمات اللازمة لدعم العلامات التجارية المحلية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، تهدف مجمعات الشركات الناشئة إلى توفير بيئة ملائمة تحتضن رواد الأعمال وتدعمهم في تحقيق أفكارهم المبتكرة في مساحات عمل متكاملة وخدمات استشارية متخصصة. وفي هذا السياق، يلعب مركز الابتكار دورًا جوهرياً في تأهيل رواد الأعمال من تبني واستخدام التقنيات الحديثة، من أجل تأسيس شركات قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية.
تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العديد من التحديات التي قد تعرقل مسار نموها وتطورها، لذا تسعى «منشآت» إلى تقديم حلول مبتكرة لمعالجة هذه التحديات وزيادة قدرة هذه المنشآت على بلوغ النجاح.
من بين هذه الحلول، تأتي خدمة «تحديات المنشآت» كأداة رئيسية تساعد على التصدي للتحديات المختلفة، مثل تقديم استشارات وحلول عملية مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتها. وفي سياق متصل، يساهم «أطلس الأعمال» في سد الفجوة المعلوماتية من خلال توفير قاعدة بيانات دقيقة ومحدثة، تمكن رواد الأعمال من اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على معلومات موثوقة. كما تلعب «مكاتب تسهيل الأعمال» دورًا حيويًا في دعم رواد الأعمال من خلال تقديم الدعم اللازم لرفع مستوى الوعي وتقديم الحلول المناسبة لمواجهة التحديات المختلفة التي يواجهونها. وتشكل هذه الخدمات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية «منشآت» الهادفة إلى تمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة من النمو المستدام والتغلب على العقبات.
في نهاية المطاف، لا تقتصر جهود «منشآت» على دعم القطاع الاقتصادي فقط، بل تسهم أيضًا في دفع عجلة التنمية الاجتماعية المستدامة من خلال خلق فرص عمل جديدة، ودعم الابتكار، وتعزيز التحول الرقمي في المملكة، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تحقيق التقدم الشامل على مختلف الأصعدة.
** **
- مستشار التنمية المستدامة