خالد بن حمد المالك
أمريكا حاضرة في كل نزاع في دول العالم تقريباً، لا تغيب عن الأحداث الساخنة، وترى في تدخلاتها مصلحة لها، وتنظر إلى المستجدات من زاوية تأثيرها على ما ترى أن فيه خطورة على حلفائها، وهي سياسة قديمة تحركها الأحداث والنزاعات والحروب المستجدة.
* *
أحياناً تتدخل أمريكا بادعاء المحافظة على السلم العالمي، وأنها وسيط في حل الخلافات، وتطويق ما ينذر بتوسع الصراعات، وأحياناً انتصاراً لهذا الطرف ضد الطرف الآخر، وفي أحيان أخرى لا يكون واضحاً للمتابع هدف أمريكا من هذا النوع من التدخلات.
* *
وأمريكا ليست بريئة، من أنها شريكة في بعض مواقفها، بما يدينها، ويحمّلها مسؤولية ما يجري من خلل أمني في عدد من المناطق والدول، نسبة للمشاهد والنتائج التي نرى تأثير المواقف الأمريكية فيها، والنفي لعدم صحة ذلك يفترض أن يأتي من تغيير سياسة الاحتواء الذي هو نهج السياسة الأمريكية، وعدم الاستقواء بقواتها العسكرية ضد حقوق الشعوب، وسيادة الدول.
* *
تصوّروا لو أن أمريكا توقفت عن التدخلات، وهي الدولة البعيدة جداً عن المناطق والدول التي تعاني من عدم الاستقرار، هل ستكون في حال أفضل للتفاهم والحوار والتنسيق، وتجنب ما يعكر الأمن، كون أمريكا حينئذ لن تكون ضالعة أو شريكاً، وأن معالجة الصراعات سوف تكون محصورة بأهلها، ودون تدخل أمريكي، يحمل جانب الشك في النوايا والأهداف.
* *
ليت أمريكا ترفع يدها عن منطقتنا، وتترك معالجة مشاكلها لأهلها، بدلاً من وجودها وتدخلاتها المضرة بالأراضي الفلسطينية المحتلة دعماً لإسرائيل، وتدخلها أيضاً في سوريا والعراق وليبيا والسودان وغيرها دون مبرر مقبول، أو لدور لا يخدم الأمن والاستقرار في هذه الدول.
* *
لكن أمريكا دولة عظمى، ويمكن أن تكون دولة أعظم لو أنها تحولت من خصم للدول والشعوب إلى صديق، ومن دولة تشعل نار الصراعات، إلى دولة تطفئ كل نار تؤجج نار الفتنة بين الشعوب والدول، لتنعم بالأمن، ولا يكون هناك خوف يلاحقها، وتمتد فائدته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي لن تشعر حينئذٍ بأن هناك من يراها عدوة له.
* *
وعلى هذا القياس، يمكن لأمريكا أن تكون صادقة مع حل الدولتين، وتلزم إسرائيل بها، بدلاً من تزويدها بالسلاح والمال والمواقف السياسية لقتل الفلسطينيين، والدفاع عنها ضد كل من يقاوم العدوان الإسرائيلي، أو ينتقم منها متى تعرّض إلى جرائم تقوم بها دون توقف أو مساءلة، بحكم حماية أمريكا ومساندتها وتعضيدها لعدوانها.
* *
أمريكا دولة عظمى، وللعالم مصلحة أن يتعاونوا معها في كل شؤون الحياة، تعليمياً وصحياً واقتصادياً وغير ذلك، نسبة إلى تفوقها، ولكن على أمريكا أن تراعي احترام حقوق الشعوب، ولا تستهين بضعفها، أو تقلّل من شأنها، وأن تتجنب إيذاءها، والتسلط، عليها انتصاراً لما يُكرِّه بعض دول العالم لها.