د. علي القحيص
من الطبيعي أن من يقوم بتدوين التاريخ والتراث والروايات والسير والقصص والحكايات هم البشر أنفسهم، فمنهم الأمين في نقل المعلومة، والمنصف في سرد الرواية، والدقيق في نقل القصة الحقيقية كما هي دون أي رتوش أو إضافات، أما اليوم فكثير من البشر ظلموا بني جنسهم وأنفسهم فما بات من نقل الكلام أو نشره أو أنك تصدقه، إلا أن تتأكد من أكثر من مصدر وجهة ومرجع ومحتوى وتقاطع المعلومة والسرديات وتنتقي الأكثر عقلانية وواقعية، لكي تكتب المقال أو تتحدث عن قصة ورواية أو خبر، وإذا تحدثت عن (سالفة) وتداولها الناس، تأتيك من أكثر من جهة ومصدر وناقل وقد أصبحت طويلة ومضافا عليها الكثير، وحملت إضافات و(كماليات) لم ينزل الله بها من سلطان!
يقول لي صديق أطلقت مرة حكاية قصيرة من نسج الخيال (كذبة بيضاء)!
وحين مضى عليها عدة أسابيع دارت بين المجالس والتجمعات والدواوين وعادت لي باضافات مفبركة ومزخرفة، لدرجة اني كدت أصدق (كذبتي)!
ويقول كانت بالونا لمعرفة جدوى مصداقية الناس ونقل الحقيقة كما هي، فأنا نجحت بتجربتي (الكاذبة) وهم فشلوا في فبركة ونقل الأمانة!
ولازال هناك من يتحدث ويقول ويردد بمناسبة أو «بدون» فلان حيال، أو كذاب، وماكر
ك»الثعلب المكّار»من باب المكر والخبث والتحايل وتغييرهم لبعض الحقائق واستخدامهم لأكثر من قناع ووجه مستعار، وكأن البشر أطهر من ماء المزن! كما يقال.
وثبت أنه ليس صحيحاً أّن الثعلب أمكر المخلوقات؛ لأنه يمارس فطرته بلا تمثيل، واثبتت الدراسات في عالم الحيوان، أن الثعلب حين يلقى عليه القبض من إنسان أو حيوان مفترس أكبر منه، يتظاهر بأنه (ميت) لكي يتركه المعتدي عليه ويتفادى شره، بل إنه يغمى عليه من الخوف والجبن!
وثبت أن الإنسان أخبث وأكثر حيلة ولؤما ودهاءً وكذباً من أي مخلوق آخر!
وأثبتت الدراسات العلمية أن الكذب خاصية إنسانية يتميز بها البشر، عن سائر المخلوقات، لأن الحيوانات تكذب بشكل فطري من أجل البقاء، لكن الإنسان تفوق عليها وتطور في فنون الكذب، لأن ملكته اللغوية التي تميز بها عن المخلوقات جعلته يتطور في أسلوب الخداع والكذب!
وإلا كيف يصطاد الثعلب والأفعى والذئب والغراب والفأر والأسد وأخطر الحيوانات جسارة وشراسة! إلا من حيله وكذبه وخبثه، واليوم نشهد أن الإنسان الذي خلقه الله ووصفه بأحسن تقويم، يمارس ماهو عكس فطرته التي فطره الله عليها وحذره من الكذب ويكذب، ونبهه من الظلم ويظلم، ومنعه من السرقة ويسرق، ومنعه من القتل والآن كل يوم يقتل مئات من البشر من الشيوخ والنساء والأطفال، وتسرق أوطانهم وتهجر عوائلهم ويقتل شبابهم وأولادهم، فقط في مدينة «غزة» وصل القتلى إلى أكثر من 40 ألف قتيل، ماعدا الذين لازلوا مفقودين تحت أنقاض منازلهم والجثث تأكل منها الكلاب (التي وصفت بالمسعورة) من قبل البشر، والثعالب نهشت أحشاءهم ليلا التي وصفوها البشر (بالماكرة)!!
واستوطنت الأفاعي تحت انقاض مساكنهم التي يصفها الإنسان (بالسامة) والفئران تعبث في ما تبقى من أثاثهم الذي يوصف من البشر (بالخبث)، وطائر الغراب ينعق فوق سماهم الذي وصفوه بـ(غراب البين)، وطائر البوم ينعي فوق ركام منازلهم الذي وصفتوه (بطائر الشؤم)، والأمراض المعدية انتشرت بينهم الذي يصفها البشر بـ(الأوبئة الضارة)!
وكذلك ما يجري في السودان من حرب أهلية ودمار وتهجير وتشريد، وكل هذا بفعل وصناعة وطمع البشر، وليس للثعلب والكلب أو الذئب أو الأفعى والغراب والبوم شأنا بهذا الأعمال الشريرة والشيطانية!
أيها الناس.. أيها البشر، لاتأكلوا لحم بعضكم وتتهمون (الذئاب)، ولا تلدغوا إخوانكم وتتهموا (الأفاعى) ولا ترموا القمامة أمام منازل جيرانكم وتتهموا (القطط الضالة)!
ولا تسرقوا جيرانكم وتتهموا (الثعالب)! ولاترموا أخطاءكم وشروركم وحقدكم على غيركم!!
اليوم اكتفت الكلاب من أكل لحومكم، والثعالب اغتنت من كثرة اكل (دجاجكم الفاسد )!
حان الوقت أيها البشر أن تنصب الحيوانات الأليفة لكم حدائق بشرية، لتجعل من أفعالكم الاجرامية الضارة عبرة لمن يعتبر، وتضع لافتات أمام مجاميعكم «لا تقترب منهم أنهم يشكلون علينا الخطر»!
** **
- كاتب سعودي