أ.د.عثمان بن صالح العامر
سألت يوماً ما عدداً من المعلمين القدامى ممن يملكون خبرة تراكمية في الميدان التربوي تزيد على عشر سنوات، سألتهم عن بعض النظريات الحديثة ذات الصلة المباشرة بالتعلم والتعليم، ومنهجية التعامل المثالي مع الطلاب عموماً والطالب السيئ السلوك، الحاد الطبع، المشاغب في الصف، الرافض لحل الواجبات على وجه الخصوص، وللأسف لم أجد جواباً سوى تكرار المطالبة بإعادة الضرب للمدرسة - كما كان الحال في السابق - حتى يتمكن المعلم من تربية النشء وفرض سيطرته عليهم وإجبارهم على الوفاء بمتطلبات العملية التعليمية حسب الخطة الوزارية (السلطوية في التربية والتعليم)!!
حاولت أن أزيل ما علِق في نفسي من إحباط جراء عدم اكتراثهم بما توصل له علماء التربية وأهل الاختصاص في كيفية علاج ما قد يطرأ من خلل في المنظومة التربوية التعليمية التي ينتمون إلى عالمها، فرُحت أبحث عن منطلق يسير مشترك يجمع بيني وبينهم، من أجل بدء حوار علمي معهم حيال التربية والتعليم عموماً، وإدارة الصف على وجه الخصوص، فكان السؤال للجميع عن آخر كتاب تربوي قرأته، إيماناً منك وأنت تعمل في هذا القطاع الحيوي المهم بأنّ ما بين دفّتي هذا السفر سوف يخدمك ويسهل لك القيام بهذه المهنة الشريفة الصعبة، ويساعدك في تهذيب عقول النشء الذين هم أمانة عندك، وكانت المفاجأة ألاّ أحد ممن كان في ذلك اللقاء يقرأ البتة، بل يعيبون على من يقرأ الساعات الطويلة تضييعه للوقت وإهداره لجهده الذهني بما لا فائدة من ورائه!! فالتربية عندهم تعتمد في المقام الأول على المراس والخبرة، وكان من الأجدى لي ولمن هم أمثالي أن يبذلوا هذا الجهد الضائع في البحث عن المال وطلب الرزق في مظانه خارج الوظيفة الحكومية فور الانتهاء من اليوم الدراسي.
إن إشكالية التعالم، واعتقاد المعلم بأنه مستغنٍ عن الاستزادة في مادته العلمية التخصصية أياً كانت المادة والمرحلة، ووقوفه عند ما لديه منذ أيام الدراسة الجامعية، والاكتفاء بما هو موجود في الكتاب المدرسي المقرر على الطلاب، واعتماده على ما علِق في ذهنه جراء شرحه للمادة ذاتها في السنوات الماضية، فضلاً عن عدم متابعة الجديد في عالم التربية، كل هذا يُعد خللاً كبيراً وشرخاً عظيماً في العملية التعليمية اليوم، فعقلية المتلقي تكبر، والمعلومة تسهل، وأساليب وطرائق التدريس تتقدم وتتطور، والواجب على المعلم الكفء احترام عقلية الطالب، والاستعداد الحقيقي من أول العام الدراسي لتربيته على القيم الصحيحة والأخلاق الحسنة، وإعطائه المعلومة المطلوبة بأدلتها وبراهينها المختلفة التي تتوافق وملكاته وقدراته، والإجابة عن أسئلة الصغار المتوقعة بكل مهارة واقتدار، فالطالب يعقد المقارنات، ويفرق بين المعلمين ويصنّفهم في ميزان الجودة لديه، القوي منهم والضعيف الجاد والهازل، من خلال المواقف وامتلاك مهارة إيصال المعلومة والإجابة عما يطرح من تساؤلات، حتى وإن كان في المرحلة الابتدائية.
من هنا وجب التذكير بأهمية الاستمرار في التحصيل من أجل ضمان العطاء المتجدد للمعلم في ميداننا التربوي، فالقوة العلمية والأخلاق الحسنة والتربية بالقدوة هي البديل الفعلي للجوء إلى حمل العصا من أجل إسكات صوت الطلاب الحر وتأديبهم، ومن أراد الدليل فعليه أن يجرب والتجربة خير برهان، وسيعلم من في الميدان من هو المعلم الذي يستحق القيام له اليوم، وتقبّل رأسه إجلالاً وإعزازاً عند الكبر، وإلى لقاء والسلام.