أ.د.صالح معيض الغامدي
ما يميز السيرة الذاتية هو افتراض أنها هي التي تتطابق فيها ثلاث شخصيات: شخصية الكاتب وشخصية السارد وشخصية البطل لتغدو شخصية واحدة. فالكاتب الحقيقي هو الذي عاش قصة الحياة وهو الذي يسردها وهو بطل أحداثها. ولكن هل هذه هي الحقيقة؟!
إن الإجابة عن هذا السؤال البسيط قد تبدو أكثر تعقيدا مما يظهر لنا في بادئ الأمر. فالكاتب حقيقية لا يكتب عن «أنا» أو «ذات» واحدة، بل يكتب عن أنوات أو ذوات متعددة في الوقت ذاته، فهناك الأنا التي تمثل مراحل العمر المختلفة، وهي بالتأكيد ليست أنا واحدة، فأنا الطفولة تختلف عن أنا المراهقة وأنا الشباب وأنا الرجولة …. إلى آخره، فأنا كاتب السيرة الذاتية هي في واقع الأمر عدة أنوات أو ذوات.
ولا يقتصر الإرباك الذي يكتنف ضمير المتكلم في السيرة الذاتية على ما ذكرنا، بل إنه يمتد ليشمل تعددا آخر للأنا يتمثل حسب رأي بعض الدارسين في حضور عدة أنوات أخرى في السيرة الذاتية هي: الأنا الكاتبة التاريخية، والأنا الساردة، والأنا المكتوبة أو المسرودة، وما يسمى بالأنا الأيدولوجية الحاضرة في كل ثقافة من الثقافات وما تحمله أو تكتنزه من دلالات مشتركة بين أفراد تلك الثقافة.
وهل يقف الإرباك الذي يكتنف «الأنا» في السيرة الذاتية عند هذا الحد؟ لا أظن!!
فكاتب السيرة الذاتية كثيرا ما يكتب في سيرته بالنيابة عن غيره، فبالإضافة إلى كتابته عن ذاته فهو يكتب عن غيره أو باسم غيره، فهو يكتب بضمير الأنا ما قد يدل على/ أو يتضمن غيره من الضمائر مثل «نحن» و»هو» و»هم» و»أنت» و»أنتم» … إلخ، فضمير المتكلم في السيرة الذاتية غالبا ما يتمظهر في السيرة الذاتية تمظهرا علائقيا. فمعلوم أن الكتابة عن الذات تستلزم بالضرورة حضور الآخر بالمعنى العام (وبكل الضمائر) أو استحضاره، فلا تظهر الذات إلا في مقابلة مع هذا الآخر.
أعترف بأن الموضوع أكثر تعقيدا مما طرح هنا، ولكني حاولت في هذا المقال القصير أن أقرب الفكرة للقارئ بأسهل الطرق الممكنة، وأن أبين مدى قرب كتّاب السيرة الذاتية منا نحن القراء مهما بدوا نرجسيين ومتمركزين حول ذواتهم في الوهلة الأولى، وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك!