سليم السوطاني
العلم والمعرفة ليسا مقصورين على نخب معينة، أو محضة! فأنت، عندما تقرأ وتقرأ، فإنك تنير عقلك، وتطلع على تجارب الآخرين، وبذلك تحصل على المعرفة التي تغذي عقلك، وتتكوّن لديك القراءة الناقدة، التي تجعلك محصنًا، وتتفق مع الأفكار التي تؤمن بها، بعيدًا عن تأثير الكاتب.
حين نقرأ في السِّيَر، نجدُ أن بعض العلماء، الذين أثْروا ميدان العلم والمعرفة، كانوا في دراستهم أشخاصًا عاديين جدًا، لكن الذي كان يميزهم هو عقولهم المتوقدة بالأسئلة، ومحاولة معرفة إجابات كل شيء يدور في أذهانهم من تساؤلات. تدور في أذهانهم أفكار خلاّقة.. يتمسكون بطموحهم، مهما واجهتهم الصعوبات التي تعثر خطواتهم، إلا أنهم - على رغم العراقيل - يمضون في طريقهم نحو أهدافهم، وينهضون سريعًا بعد كل سقطة.
التاريخ مليءٌ بمثل هذه النماذج المبهرة للإنسان المطلع، الذي يقرأ نتاج ما خلّده هؤلاء الأفذاذ، من علوم نافعة للإنسان والمكان.
من خلال هذه الرؤية، أتساءل بكل حيرة: لماذا لا يسلخ التعليم جلده البائس التقليدي، ويكون هو الوعاءَ المرنَ الذي يُلبي جميع التطلعات، ويحوي النماذج التي ينضج منها النبوغ المتقدم، الذي ينبئ عن عقلية مختلفة تبحث عن الإلهام، الذي تتزود منه للانطلاقة نحو أفق أرحب؟
ربما كان كثير من هذه الفئة تضيع سبلهم بسبب نظام التعليم العام، الذي لا يوجد فيه ذلك التنوع المُثري، والذي يستهدف التنقيب عن مثل هذه النوعيات، التي لا تظهر بسهولة أمام الآخر، إلا من خلال إطار مرن يكتشفها، ويكون مساعداً لها في البروز والتقدم، وحثّها على مواصلة الغوص في بحر التفكير العميق.
إن صاحب العقل المليء بالفكر الإبداعي دائماً يجد المدرسة سجنًا كئيبًا، وليس فيها إلا حشو الرؤوس بالمعلومات الكثيفة، في حين أن عقله ورغبته لا يتفقان وطريقة حفظ المعلومات، التي لا تتوافق ولا تنسجم مع ما يدور في أذهانهم من فِكَر مختلفة!
من يخطط للتعليم ونظامه ومناهجه، عليه أولًا أن يقرأ سير العلماء والمخترعين والمؤثرين في هذا العالم، ويجتهد في بناء نظام تعليمي ينهض بفكر الإنسان وشخصيته، ويلهمه الإبداع، ليحلق في سماء العلم والمعرفة، بعيدًا عن القيود التي تكبل قدراته العقلية، وتجعله يهرب من مقاعد الدراسة، التي لا تزيده إلا نفوراً!