ناهد الأغا
دائماً نردد كلمة (حضارة) في حواراتنا الثقافية ونقاشاتنا وكتاباتنا الأدبية وبرامجنا العلمية، فما المقصود بالحضارة وأين وجدت؟.
الحضارة هي نتاج فكري ونظام اجتماعي يساعد الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي ويحرك دوافع الإبداع والإنشاء بما تستنهضه نفسه للمضي قدماً إلى الرقي والازدهار في جميع الميادين؛ فهي بمفهومها الشامل تعني: كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العلم والمعرفة والبناء والعمران والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية والتفوق في الفنون والآداب وجميع أنواع العلوم.
يقال إن بناء الحضارات يقوم على الأخلاق والقيم الفاضلة فهي تحمي البشرية من كل ما يسيء إليها في منظومة حياتها في كافة مراحل النمو والتطور؛ فالحضارات وجدت منذ أن وجدت الخليقة، وقد أرخت الكتب التاريخية أن أقدم حضارات العالم هي: حضارة امبراطورية ما بين النهرين (3000ق.م) تلتها الحضارة المصرية والمايا الغامضة، والامبراطورية الرومانية.
وبالرغم من أن الاستكشافات الأثرية استطاعت أن تثبت ان الحضارة المصرية من أعظم الحضارات القديمة حيث قدمت إسهامات تاريخية للإنسانية لا تزال شاهدة عليها (الأهرامات) والتي تعد من عجائب الدنيا السبع إلا أن هذه الاكتشافات أشارت إلى وجود أقدم الحضارات على مستوى الجزيرة العربية في منطقة نجران حيث اكتُشفت حضارتي (العبيد ولمون). هاتان الحضارتان أرختهما الكتب بعد التنقيب والبحث من قبل علماء الآثار على أنها أقدم الحضارات في شبه الجزيرة العربية؛ وقد ازدهرتا في منطقة الأحساء والخليج العربي وذكرت (لمون) في الكتابات المسمارية القديمة.
إذاً لا يمكن لأحد أن يتغافل أن المملكة العربية السعودية منذ الأزل هي موطن للعديد من الحضارات التي ازدهرت داخل حدودها، حيث سجل علماء الآثار في أبحاثهم وكتبهم أن حضارة المقر ومدين وعاد وثمود إضافة إلى الممالك العربية التي نشأت في شبه الجزيرة العربية قد وجدت منذ الألف الثاني قبل الميلاد على امتداد طرق القوافل التجارية التي كانت تنتقل بين الأماكن المختلفة في شبه الجزيرة العربية.
أثبتت الدراسات أن حضارة المقر هي حضارة عربية وجدت في أرض المملكة العربية السعودية منذ تسعة آلاف سنة، ويُعتقد أنه حدث فيها تدجين للحيوانات خاصة الحصان خلال العصر الحجري الحديث.
وقد عثر العلماء في العديد من المواقع في المملكة العربية السعودية على آثار تؤرخ بـ(103) ملايين سنة في موقع الشويحطية بمنطقة الجوف وموقع صفاقة بالقرب من الدوادمي من منطقه الرياض حيث أُرخت بـ(230000) سنة مضت؛ هذا ما أثبتته الأدلة الأثرية والكتب التاريخية عن الحضارات التي قامت على مر الزمان منذ آلاف السنين وإلى يومنا هذا.
وقد ورد في العديد من الكتب السماوية عن أخبار مملكة سبأ وأنظمتهم الهندسية في بناء القصور وتوزيع المياه، وكذلك حضارة ثمود التي أصلها في شبه الجزيرة العربية أنها بنت مساكن من الصخر وما في ذلك من أنظمة التهوية والإنارة ونقل المياه لهذه المساكن؛ وقد ورد ذكر قوم عاد الذين اتخذوا إرم عاصمة لهم والتي سمتها كتب التاريخ (بأسطورة الرمال) وموقعها حاليا بين اليمن وعُمان وقد أشارت الآية القرآنية الكريمة على أنهم أولو حضارة وقوة تفوقت على من سبقهم؛ فقد قال رب العباد في كتابه العزيز {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} هذه الحضارة التي أوجزنا الحديث عنها والتي هي حالة متقدمة للمجتمع الإنساني ووضع أسس تنظيمية لحياة الإنسان بكل مناحي الحياة من زراعة وصناعة وبناء وعلم وقدرات عسكرية وسياسية كان للمملكة العربية السعودية وجود مهم جدا لا يمكن إنكاره بين هذه الحضارات.