تغريد إبراهيم الطاسان
في وطني نحن ماضون قدماً نحو مجد وعلياء يليق بنا.. بفضل الله تعالى ثم بفضل قيادتنا الحكيمة وشعبنا السعودي الذي وهبه الله طموحات تعانق عنان السماء..
نحن جميعا قيادة وشعبا «يداً بيد» بحب وولاء وانتماء وعهود ووعود ووفاء، ماضون نحو مستقبل نباهي به الأمم، لا يهمنا نبح كلاب ضلت عن طريق النور فعضت أيادي الوطن ولا خونة خرجوا عن دروب الوفاء..
لابد أن نعي أن خيانة الوطن تُعدّ من أخطر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان، حيث إن هذا النكران يتجسد في التفريط بمقدسات الأمة وبيع مصلحة الوطن من أجل مكاسب شخصية، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو غيرها، ولهذا السبب تعتبر الخيانة جرحًا عميقًا في جسد الأمة، تترك آثارها لعقود وربما لقرون، حيث يتجاوز تأثيرها الحدود الزمنية والمكانية، مما يؤدي إلى تفكك المجتمعات وضياع الهوية الوطنية، فخونة الأوطان هم الأفراد الذين اختاروا طريق الغدر والخذلان، فقدموا مصلحتهم الخاصة على حساب المصلحة العامة.
هؤلاء الأفراد لا يرون في الوطن أكثر من مصدر للربح المادي أو النفوذ السياسي، مما يجعلهم مستعدين لبيع أسرار الدولة، والتعاون مع الأعداء، وحتى التآمر على كل ما في أوطانهم من ثروات، وخيرات، واستقرار، وثبات، وهذا النكران قد يكون نابعاً من انعدام الولاء والانتماء الوطني، أو بسبب ضغوطات خارجية وإغراءات مادية تضغط على وتر منحطي الأخلاق ومستباحي الذمم، أو بسبب جينات الحقد والكراهية التي أخفتها ملامح كاذبة لم تقدر الثقة وتحترم المواثيق والقسم!
التاريخ مليء بأمثلة لأشخاص باعوا أوطانهم، بدءًا من الخونة الذين تآمروا مع قوى استعمارية لإسقاط بلادهم، مرورًا بالعملاء الذين سربوا أسرار بلادهم إلى الأعداء، وصولًا إلى السياسيين الفاسدين الذين دمروا البنية التحتية ونهبوا ثروات الشعوب.
ولعل أخطر أنواع الخيانة هي تلك التي تأتي من النخب السياسية والاقتصادية والأكاديمية، حيث يصبح الخائن في موقع قوة يؤهله لتمرير سياسات تخدم مصالحه الشخصية ومصالح داعميه على حساب مصالح الوطن.
هؤلاء النخب المزيفة الذين يفترض أن يكونوا في طليعة المدافعين عن مصالح الوطن، قد يتحولون إلى أدوات بيد الأعداء، ومن خلال ذلك يسعون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصلحة البلاد رغم أنهم كانوا على أرضهم وبين أهلهم أعزاء مكرمين، ولكنه الحقد الذي يمشي في عروقهم، والخيانة التي استندت عليها بنية أخلاقهم!! لذا النظرة إليهم حتما ستكون مزيجًا من الاشمئزاز والغضب والنبذ، فهم يخونون الثقة التي منحتها لهم القيادة والمجتمع ويعرضون الأمن الوطني للخطر، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع السياسي واهتزازه والتسبب في فتن لا أول لها ولا آخر، وكذلك سينتشر الفقر والبطالة وستنعدم العدالة الاجتماعية، وتعم الفوضى في الأوطان الآمنة من أجل تحقيق أجندات قذرة ، ولنا في الربيع العربي والانقلابات في الحكم في دول حولنا خير دليل وأكبر برهان على ذلك!
وللأسف أن هذا التعاون يتمثل في تقديم تنازلات غير مبررة، وتوقيع اتفاقيات من أحزاب وتيارات تخدم مصالح القوى الخارجية على حساب الثروات الوطنية والقرار السيادي.
وقد يؤدي هذا النوع من الخيانة إلى وقوع الوطن فريسة للاحتلال أو الاستغلال الخارجي، مما ينعكس سلبًا على حياة الأجيال القادمة، فالخيانة ليست فقط فعلًا ماديًا، بل هي أيضًا خيانة للمبادئ والقيم التي قام عليها الوطن، فعندما يتخلى الفرد عن مبادئ العدالة والحرية والمساواة، ويسعى لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب الآخرين، فإنه في الواقع يساهم في خيانة الوطن بشكل غير مباشر، من خلال الفساد الإداري، أو التلاعب بالقوانين، أو حتى بالتقصير في أداء الواجبات الوطنية.
ولا يمكن التغاضي عن دور الإعلام في محاربة الخيانة، حيث يُعدّ الإعلام المحلي ركيزة أساسية في توعية الشعب بمخاطر الخيانة وأثرها المدمر على الوطن، لذلك يجب أن يكون الإعلام صوت الحق وعين الحقيقة، يكشف عن الفساد ويُدين الخونة، ويعمل على تعزيز الروح الوطنية بين أبناء الشعب.
يجب على المجتمع أفرادا ومؤسسات وكيانات، أن يتعلم من أخطاء مرت على مدار التاريخ، وأن يكون يقظًا تجاه الأشخاص الذين يظهرون علامات على الولاء المزدوج أو الانتهازية، من خلال تعزيز الوعي الوطني وتعليم المواطنة الحقة الذي من شأنه أن يحد من احتمالات وقوع خيانات مستقبلية.
الخلاصة.. لاشك أن الخيانة الوطنية تترك جروحًا عميقة في جسد الأوطان، لكن الوقاية منها ممكنة من خلال الالتفاف حول القيم الوطنية وتعزيز الولاء والانتماء عند الإنسان منذ الصغر.. وتغذية عقله وقلبه بحب الوطن والولاء لقيادته منذ نعومة أظفاره.
علينا كأسر وكمؤسسات أن نسلط الضوء على عظمة سعوديتنا الغالية ونعمة الانتماء لها.. وعلينا أن نزيد من مساحة الوعي بخطر الانقياد دون تفكير لعلو صوت منابر منصات التواصل، أو الانجراف حول حماسيات الإعلام العفن التي تلقي بقليل الوعي إلى منحدرات التشكيك بنعمة هذا الوطن فتجره إلى هاوية الخيانة.
علينا أيضا العمل على تعزيز الشعور بالكره والازدراء للخيانة والفساد بشكل عام، ولخونة الوطن بشكل خاص، وأيضا باعتماد ثقافة المحاسبة والشفافية كما نراها على أرض واقع وطننا السعودي العظيم.
في الختام، يجب أن نُدرك أن الخيانة ليست مجرد جريمة تُرتكب في لحظة ضعف أو جشع، بل هي خيانة مبطنة النوايا تمسكنت حتى تمكنت.. ومع هذا فالخائن يعاقب من الله قبل البشر، وذلك بالنبذ، والتيه في أوطان غريبة تلفظه في أقرب حاوية قمامة أجلكم الله متى ما انتهت الحاجة منه.. ومهما طال به الزمن، سيبقى الخائن منبوذًا مكروهًا من قبل المجتمع، وسيسجل التاريخ اسمه في صفحات العار، ولذلك يجب أن نكون جميعًا على دراية بمخاطر الخيانة وأن نعمل معًا لحماية وطننا من كل من يحاول أن يبيعه أو يتآمر عليه. وخير ختام هو الحمد والشكر لله على نعمة وطني الغالي المملكة العربية السعودية.. وعلى نعمة قيادة أسألك الله أن يديمها تاج فخر وعز على رأس كل سعودي.. وعلى نعمة شعب متكاتف، يده بيد قيادته، يجري في عروقه حب أرضه، رغم أنف شرذمة شذت عن طريق الهدى فتاهت.