د. محمد عبدالله الخازم
تعرف هيئة التخصصات الصحية مهامها كالتالي:
التصنيف والتسجيل: نصنف حاملي الشهادات الصحية ونقيّم شهاداتهم، ونضع الأسس والمعايير لمزاولة المهن الصحية، كما نتولى التسجيل المهني للممارسين الصحيين. للتأكد من أن الممارس الصحي مؤهل بالمهارات والمعارف والكفايات اللازمة لتشخيص وعلاج المرض بشكل مميز وآمن.
التعليم والتدريب: نعنى بتأهيل الكوادر البشرية الصحية من خلال الإشراف على برامج التدريب العلمية والمهنية المتمثلة في شهادة الاختصاص السعودية والدبلومات توفير الكوادر الصحية المؤهلة التي ترعى المريض بإنسانية وكفاءة.
التسجيل والتصنيف - مع التحفظ على التصنيف كما سيأتي لاحقاً - مهمة رقابية، بينما التعليم والتدريب مهمة تنفيذية، وبالتالي يفترض فصلهما إلى كيانين مختلفين؛ أحدهما يتولى التدريب والإشراف عليه والآخر يتولى الترخيص والتسجيل. تعارض المصالح كان أحد أسباب (مشكلة) المعاهد الصحية التي حدثت قبل سنوات و تفضل المقام السامي -حينها- بإصدار قرارات ملزمة بحلها. كانت الهيئة تشرف على التدريب وبيع المناهج وفي ذات الوقت تمنح رخصة الممارسة والتسجيل. تلك أزمة قديمة، كنت أتمنى أن استفدنا منها في تطوير الجانب التشريعي والتنظيمي للهيئة.
هناك من يرى بأن الإشكالية تكمن في دمج جميع التخصصات في هيئة واحدة، مما قاد للتضخم وعدم استيعاب الفروقات بين التخصصات، لذلك يطالب بالفصل بين الطب والتخصصات الصحية الأخرى. الهيئة بدأت كهيئة أطباء في الأساس وتحاول فرض أنظمة الأطباء على بقية المجالات الصحية، رغم وجود الفروقات في طبيعة التأهيل والتعليم والتدريب والممارسة.
الهيئة تقع في مأزق (مفاهيمي) آخر يتعلق بالتصنيف. هناك خلط بين فكرة منح رخصة الممارسة من قبل الهيئة وتصنيف الوظائف ومسمياتها من قبل إدارات الموارد البشرية بالمؤسسات الصحية. التسجيل أو الرخصة ترتبط بمجال وإطار الممارسة أو التأكد بأن الممارس مؤهل للممارسة في التخصص العام أو الدقيق وفق شهادته والتوصيفات المهنية للتخصص، وتلك مهمة الهيئة، لها متطلباتها لا نناقش تفاصيلها هنا.
أما المسميات أو التصنيفات؛ أخصائي، استشاري، مشارك، مقيم، كبير الممارسين، وغيرها فأراها ألقاب وظيفية تراتبية وهي مهمة الجهة التوظيفة إقرارها ومنحها وليس هيئة التخصصات الصحية. بدليل أن بعض تلك الألقاب في بعض التخصصات مجرد مسميات تمنحها الهيئة وليس لها علاقة في طبيعة الممارسة أو مستوى الوظيفة.
التصنيف - كما يحدث - قد لا يتطلب سوى التأكد من الشهادات/ الرخصة والخبرة التي حصل عليها الممارس، ورغم ذلك يتم تقاضي رسوم عالية مقابله. وتقاس تلك الرسوم بحجم دخل الممارس وليس بحجم العملية الإدارية، بدليل أن الاستشاري الطبيب مطلوب منه دفع مبالغ تفوق ما يدفعه الأخصائي في تخصص أخر، رغم تشابه العملية الإدارية وبساطة الإجراء الإداري. لا ننسى أنه سبق دفع مبالغ اختبارات ومتطلبات الرخصة/ البورد/ التسجيل، كما ستدفع رسوم تجديدها.
الخلاصة، الهيئة بحاجة إلى رؤية فكرية وليس مجرد تقنية، تتعلق بمفاهيم عملها ومصطلحاتها وتنظيماتها، بما يحقق فصل تعارض المصالح بين الرقابي والتنفيذي والتشريعي وتفكيك تضخمها الذي يقود لترهلها، واستيعاب مهام الترخيص والتسجيل، بعيداً عن التسميات الوظيفية التي هي مهمة إدارات الموارد البشرية، إلخ. طبعاً، ليس هناك ما يمنع إصدار دليل استرشادي لدعم أقسام الموارد البشرية في مجال التوظيف والمسميات من قبل جهات التوظيف كوزارة الصحة أو مجلس الخدمات الصحية. ختاماً، أعلم أنني أكتب عن أمور أعتادها البعض وبدت ثقافة ممارسة نادراً ما يتم عرضها للنقاش والمراجعة. الاعتياد أو كون الأمر أصبح شائعاً لا يمنع نقاشه وإعادة النظر في تطبيقه.