عبدالرحمن الحبيب
أصبحت الحدود بين وقت العمل ووقت عدم العمل ضبابية للغاية، مما حدا ببعض الدول لإصدار قوانين عمل جديدة كما في البرتغال حيث يعاقب المدير الذي يتصل بموظفيه قبل أو بعد بدء ساعات العمل وفقًا لـ Euro News، لكن قد يكون من الصعب تخصيص استراحة خالية تماماً من مقاطعة من العمل، بل صار من المعتاد في المساء أو في إجازة نهاية الأسبوع وفي العطلات أن ننظر إلى رسائل البريد الإلكتروني من العمل ورسائل الزملاء عن مجريات العمل في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وأصبح من الممارسات المعتادة تناول الغداء منحنياً على مكتبك حتى أصبحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر تستقبل فتات الطعام أكثر من الطاولة..
لقد ناضل البشر لتنظيم أوقات العمل؛ ويعد عام 1843 عاماً عظيماً للراحة من الإجهاد المضني في العمل عندما انطلقت حملة في سالفورد ومانشستر في بريطانيا لمنح العمال الصناعيين نصف يوم إجازة يوم السبت، بهدف ضمان استعداد المزيد منهم للعمل صباح يوم الاثنين؛ وقد نجحت الحملة، وتم تبني الممارسة في نهاية المطاف كقانون؛ وبمرور الوقت، أصبح أسبوع العمل المكون من خمسة أيام هو القاعدة في معظم البلدان.. في نفس الوقت تقريبًا هناك أيضًا جمعية الإغلاق المبكر، في لندن.
بعد ذلك بوقت طويل، وفي أزمة الكساد الكبير (1929 - 1939)، وبسبب ارتفاع معدلات البطالة، برزت فكرة العمل الأسبوعي لمدة ست ساعات وخمسة أيام..
الفكرة تمددت في الوقت الراهن، إذ تفكر بعض المؤسسات فيما لم يكن ممكناً تصوره قبل بضع سنوات: تقليل أسبوع العمل إلى أربعة أيام، بسبب حالات التوتر والإرهاق لدى الموظفين.
نتيجة لذلك ظهرت العديد من المواقع الإلكترونية التي تقدم نصائح مفيدة لتحقيق أقصى استفادة من فترات الراحة في العمل ومن الإجازات، لكن كثيراً منها أو بعضها يبدو مثالياً يصعب تطبيقه، إنما الأهم أنك إن كنت ولا بد مقرراً العمل في عطلات نهاية الأسبوع أو أيام العطلات، فافعل ذلك فقط خلال فترات محددة حتى تتمكن من الحصول على بعض الوقت الإضافي بعيدًا عن الكمبيوتر أو اللاب توب، وعدم فتح الرسائل الخاصة بالعمل التي تأتي على الجوال.
إن أخذ استراحة من العمل والروتين اليومي ومتطلبات الحياة أمر ضروري للحد من مستويات التوتر والشعور بالانتعاش واسترجاع الطاقة، فعندما تأخذ استراحة، فأنت لا تتنصل من المسؤولية، بل إنك تعتني بنفسك حتى تتمتع بالقدرة على التحمل لتكون في أفضل حالاتك وتقدم عملاً أكثر فاعلية وجودة.
حسب تقرير استطلاع لغالوب في 2022، قال 8 % فقط إنهم يعملون أربعة أيام في الأسبوع، بزيادة 5 % عن عام 2020، بينما قال 84 % إنهم يعملون خمسة أيام، وقال 8 % إنهم يعملون ستة أيام؛ وكانت النتائج العامة: أن أولئك الذين يعملون ستة أيام بالأسبوع لديهم أعلى معدلات إرهاق، وأدنى نسبة من الرفاهية العامة المزدهرة وأعلى معدلات عدم الارتباط النشط. أما أولئك الذين يعملون خمسة أيام بالأسبوع فلديهم أعلى معدلات المشاركة وأدنى معدلات الإرهاق، في حين أن أولئك الذين لديهم أسابيع عمل مدتها أربعة أيام كان لديهم أدنى قدر من عدم الارتباط النشط، لكنهم لم يتمتعوا برفاهية مزدهرة أعلى بكثير مقارنة بأولئك الذين يعملون خمسة أيام في الأسبوع.
كما أبلغوا عن معدلات إرهاق أعلى مقارنة بأولئك الذين يعملون خمسة أيام بالأسبوع.
العلاقات معقدة بين الوقت والعمل والرفاهية، والمشكلة ليست في عدد أيام العمل خمسة او أربعة، بل في مكان العمل حسبما خلص إليه التقرير، فثلثان أو أكثر من الموظفين المشاركين يزدهرون في حياتهم بشكل عام بغض النظر عن عدد أيام عملهم في الأسبوع..
كما وجد تحليل للسكان العاملين في سبع مناطق من العالم أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من انخفاض الرضا الوظيفي ولا تتاح لهم الفرصة للقيام بما يجيدونه، فإن زيادة ساعات عملهم أدت إلى انخفاض في التجارب اليومية الإيجابية وتقييمات الحياة.
لكن النتيجة كانت مختلفة تماماً بين الموظفين الذين يتمتعون برضا وظيفي أعلى وفرصة للقيام بما يجيدونه: فالتجارب اليومية الإيجابية وتقييمات الحياة لم تتدهور بشكل كبير عندما زاد عدد ساعات عملهم كل يوم من خمس إلى عشر ساعات.
ويقول تقرير آخر من غالوب إن الأساس هو مكان وبيئة العمل وليس فقط عدد أيام العمل سواء كانت أربعة أو خمسة أو حتى ستة أيام، فتدقيقنا الأخير لمكان العمل، استناداً إلى المقابلات مع موظفين أمريكيين، يُظهر أنه على الرغم من وجود معدل أعلى بكثير من الرفاهية بين أولئك الذين يعملون لمدة أربعة أيام في الأسبوع، فإن أسبوع العمل الأقصر يرتبط أيضاً بمستويات أعلى من عدم ارتباط الموظفين بأعمالهم.
خلاصة رأي الخبراء: إن فترات التوتر الطويلة قد تؤثر سلبًا على صحتك البدنية والعقلية، وأخذ قسط من الراحة يمنح عقلك وجسمك فرصة لإعادة ضبط نفسه واستعادة عافيته والتعامل مع ضغوط الحياة اليومية؛ فلا تنتظر حتى تصل إلى نقطة الإرهاق لتأخذ قسطاً من الراحة..