د.عبدالله بن موسى الطاير
هل ستكون كمالا هاريس أول امرأة ترأس الولايات المتحدة الأمريكية، وأول رئيسة سوداء، وأول قائدة من أصل آسيوي للقوات المسلحة الأمريكية في تاريخ أمريكا. أنصارها مستعدون لتجاوز هذه الحدود، ولكن، وبحسب ما كتبت US News فإنه «في وقت ما من هذا المساء - أو في الأيام السبعين المحمومة بالتنافس، حتى الخامس من نوفمبر 2024م - قد يتوقف حتى أكثر المؤيدين لها تفاؤلا، ويسألون أنفسهم: هل أميركا جاهزة»؟ والسؤال الذي قد يقلب الموازين رأسا على عقب، ويكرر السيناريو نفسه الذي حدث مع هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016م، هو ذلك الذي سيسأله الناخب، من أي طيف سياسي كان، لنفسه وهو داخل خلوة الاختيار، في مركز الانتخاب.
كل شيء ينمو ويتطور بما في ذلك التصورات النمطية، ففي عام 1937م، وجد استطلاع أجري عن جاهزية أمريكا لامرأة تحكمها أن 33 % كانوا إيجابيين، وارتفعت هذه النسبة في مطلع 2024م حسب استطلاع لجالوب إلى 93 %. وجود المرأة في بيئة العمل تطور كثيرا عنه في الأربعينيات، وأصبح الحكم عليها في بيئة العمل وفي المناصب ومقارنتها بزميلها الرجل أكثر وضوحا لدرجة أنه وفقا لدراسة استطلاعية لمركز بيو للأبحاث وجدت أن من بين أولئك الذين رأوا فرقًا بين الجنسين في الإدارة أن «المرأة تتمتع بالعديد من المزايا التفضيلية على الرؤساء الرجال: كونها أفضل في التوصل إلى تسويات، والحفاظ على نبرة محترمة، والصدق والأخلاق، والدفاع عما تؤمن به، والعمل بشكل جيد تحت الضغط»، ومع كل هذا الاطراء فإن الناس يقارنون من واقع معارفهم وتجاربهم لما هو أقل حساسية من منصب الرئيس، حيث سيكون المحك الحقيقي واختبار صدق القناعة في المرأة عندما يصبح الناخب في مواجهة مع كارت الاقتراع وعليه أن يقرر من يحكم أمريكا؛ رجل أم امرأة؟
أول رئيسة امرأة، أو رئيسة ملونة، أول قائدة للقوات المسلحة وبيدها مخزون ضخم من الأسلحة النووية يجعل من مهمة كمالا هاريس نحو البيت الأبيض شبه مستحيلة إن لم تكن مستحيلة. لو كانت بيضاء، لكانت المهمة أسهل، مع أن امرأة بيضاء هُزمت أمام ترامب عام 2016م، بيد أن تجربة الأمريكيين له في فترة انتخابية ربما يعطي أفضلية للمرأة البيضاء لو كانت مرشحة للمنصب. ودعونا نتفق أن الدفع بكمالا هاريس كان حيلة المضطر عندما أخفق الرئيس المرشح لفترة ثانية في أول اختبار له أمام منافسه الجمهوري، فكان لابد للحزب الديموقراطي من إعمال حالة الطوارئ والتنادي بليل لاختصار العملية وترشح نائبة الرئيس لتوافر معظم شروط وإمكانات خوضها الانتخابات الرئاسية مرشحة للحزب، ولم يكن التركيز عن جاهزية أمريكا لرئيسة أنثى وقائد للقوات المسلحة من أصول ملونة وابنة لمهاجرة هندية. في هذا السياق يغدو السؤال أكثر تعقيدا ليكون: هل أمريكا جاهزة ليس فقط لتحكمها امرأة وإنما لابنة مهاجرة من أصول هندية وجمايكية؟
في دراسة لمركز بيو للأبحاث، ظهرت مشكلة مع المرأة المرشحة، إذ لا يكفي أن تكون ذكية، وإنما محبوبة في مظهرها وسلوكها، وهي معايير لا تنطبق على الرجال، فترامب وبوش الابن أبعد ما يكونا عن أنهما «محبوبان» في المظهر والسلوك، ومع ذلك انتصر بوش على آل جور الأكثر «محبوبية»، وفاز ترامب على هيلاري الذكية والجميلة غير المحبوبة.
المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية ليست بالبساطة التي تصورها وسائل الإعلام الجماهيرية، ويروج لها كل طرف بأفضل ما في مرشحهم، ولو كانت استطلاعات الرأي تجدي نفعا لفازت هيلاري كلينتون عام 2016م واكتسحت دونالد ترامب. إن عامل المقارنات بين الذكر والأنثى وبخاصة في قيادة القوات المسلحة، وإضافة عبء على كاهل المرأة من قبل الناخبين الرجال والنساء يتمثل في «المحبوبية» يجعل الحسم في الانتخابات الأمريكية يميل لمن يستطيع تخويف الأمريكيين أكثر. وبدون شك، وإلى إشعار آخر، فإن حملة المرشح الجمهوري تستخدم هذا العامل ببراعة، وتخوف الأمريكيين من شر قد اقترب، ويبشرون بحرب عالمية نووية، وكأنهم يقول للناخبين كيف سيكون حالكم مع رئيسة أنثى وملونة ترأس القوات المسلحة وأمريكا في حالة حرب؟