عبده الأسمري
ما بين «فروسية» الشعر و»فراسة» الشعور وقف على حافة الوقت ليكتب «النصوص» كعشر مرايا لوجه واحد في سماء بعيدة أمام «ضوء شحيح»
جاء على «كفوف الريح» كالمسافر في «حقول الضوء» الذي نسج «صباح القرى» كتراتيل شعرية شكلت دهرين للأدب أحدهما للثبات والآخر للتحول.
دفع «مهر» الحداثة من غنائم «الفكر» وأعلن «جهر» التحديث من مغانم «التفكير» ليهدي للأدب تباشير من التطور وتعابير من التطوير.
تمازج مع الإبداع الشعري ودافع عن القصيدة موظفاً فرضيات «المعني» بعيداً عن افتراضات «اللغة» مطلقاً بعد نظره في رفع راية «الموقف» وإعلاء شأن القيمة الشعرية والمقام الأدبي.
إنه الشاعر والصحافي والكاتب أحمد عائل فقيهي رحمه الله أحد أبرز الشعراء والأدباء ووجوه الصحافة الثقافية في الوطن والخليج.
بوجه جازاني التقاسيم وملامح جنوبية وسحنة حنطية تتجلى فيها سمات «الأديب» وتتسامى منها صفات «التهذيب» وشخصية هادئة تسكنها طمأنينة الذات وسكينة الروح تتسم بالصمت المجلل بالإنصات والسمت المكلل بالثبات وعينين تلمعان بالإنصاف وتسطعان بالاعتراف ومحيا باهي الحضور وهندام وطني زاخر بأناقة عامرة بالذوق ولباقة لفظية تستند على لغة فصيحة تنبع منها مؤثرات «الأبيات» وتأثيرات «الكلمات» وعبارات أدبية فريدة سديدة تكاد ترى بالبصر تتوارد من «مكنون» أدبي فاخر قوامه «المهارة» ومقامة «الجدارة» وحضور فريد في منصات الثقافة وفي صفحات الأدب وفي محافل الفصحى قضى فقيهي من عمره عقودا وهو يوزع عطايا «الدواوين» في «آفاق» الأمنيات وينشر هدايا «العناوين» في «أبعاد» المحافل ويرسم خرائط «التحرير» في بلاط صاحبة الجلالة ويهدي للأجيال مناهج من فصل الخطاب وأصل الجواب شاعراً ومدير تحرير وأديباً ومثقفاً كتب اسمه في سجلات «المبدعين» وأبقى صيته في مقامات «المؤثرين».
في جازان درة الوطن الجنوبية والشهيرة بزف الأدباء والفقهاء والعلماء إلى ميادين «الانفراد» ولد عام 1952 وسط عائلة عريقة أصيلة لها تاريخها «العميق» في العلوم والمعارف واحتفلت أسرته «النبيلة» بمقدمه الميمون وقدومه المبارك على الأهازيج الجيزانية والألحان التراثية ودقت «طبول» الاحتفال صداها على أسماع «المشاركين» في المحفل المشهود.
ترددت بين مساكن «الطيبين» قدوم فارس جديد إلى عائلة «فقيهي» عريقة النسب وانطلقت «الأفراح» بين القرى التهامية ونشأ الطفل بين أضلاع «الإرث العلمي» واستقر في زوايا «التوارث المعرفي» وانطلق من «محور ارتكاز» التوجيه ليكبر وسط أحضان المسؤولية وفي حنايا الوجاهة المرتكزة على القيم والشيم التي غرسها والداه في أعماقه حتى تحولت إلى ميراث قويم من الأدب والتهذيب اقترنا بمداركه ومسالكه.
صال وجال صغيراً مع أقاربه وأقرانه بين القرى المشفوعة بعبير العابرين على عتبات «السفر» والمسجوعة بأثير السائرين على محطات «الترحال» وانخطف صغيراً إلى واقع «التحديات» المحفورة في تاريخ الأمكنة وانصت إلى تلك «الحكايات» المحفوظة في صدور «الأمهات» وظل يحفر في ذاكرته «الغضة» مواريث التعلم والتأقلم والمعالم الأدبية الراسخة لدى أدباء جازان وانبرى طفلا يبحث في مكتبات العائلة عن «مجلدات» الشريعة و»كتب» الأدب و»دواوين» الشعراء والتي حفظ منها «الاقتباسات الباكرة» التي زينت كشكوله الصغير لتكون شاهدة على «عصر» مكتظ بأحلام الصغار المجللة بصوت «البراءة» وصدى «العفوية».
دأب فقيهي على إطلاق بصره في أفق المزارع الخضراء التي انطبعت في وجدانه فتعتقت نفسه بأنفاس الفل الجازاني ونفائس الكادي الصبياني وظل يطلق «تراتيل» قروية في مواسم الحصاد على أنغام «البساطة»
امتلأ قلبه طفلاً بدعوات المزارعين في حقول قريته وابتهالات «الفالحين» بين مرابع عشيرته وسط صباحات «استثنائية» شكلت له المشهد الأول في رسم «خرائط» الأدب بروح «صافية» نقية اعتمدت على «الطبيعة» وتعامدت على «الطبع» فانطلقت السريرة لتحكي «الفصول» في أبيات خالدة انطلقت كالصرح في ثنايا «المسيرة» العاطرة في حقب زمنية توشحت باليقين وتوسمت بالواقع.
بعد انهاء تعليمه واشتغل في الصحافة ومضى في مواقعها حتى شغل منصب مدير التحرير في جريدة «عكاظ» لسنوات عدة، وكتب فيها مقالات متعددة في زاويته «رفيف الكلام»، وشارك في الكثير من اللقاءات العربية والمحلية وأكمل حياته في مدينة جدة التي يرتبط مع مينائها وعبيرها الساحلي بذكريات واعدة ظلت في حيز «الاحتفاء»
كتب فقيهي أولى قصائده في حقبة السبعينيات «الزاخرة» بسمو الشعر ورقي المشاعر وكان عنوانها «الفجر الأخضر» والتي ظلت خضراء في قلوب «النقاد» وبيضاء وسط أفئدة «المتذوقين» رغماً عن «تعاقب» الأزمنة.
كرس فقيهي وقته في الدفاع عن «الشعر» والترافع عن «الكلمة» ووضع أسسا لتطوير الكفاءة «الشعرية» من خلال تحقيق الهدف بعيداً عن تأنق النظم.
وشارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات مثل مهرجان المربد، ومهرجان جرش، ومهرجان بابل الثقافي في بغداد، ومهرجان الجنادرية، وتم تكريمه في كثير من المناسبات والمحافل الثقافية.
تعاقب عدد من النقاد بالكتابة عن تجربته الشعرية ومنهم عبدالله نور، وعبدالعزيز المقالح وعالي القرشي، وأحمد فضل شبلول، ومحمد أحمد عواد، ومحمد صالح الشنطي، وأحمد كمال زكي، وفوزي خضر وغيرهم.
قام فقيهي بتأليف عدد من الدواوين ومنها «عَشْرُ مَرَايا... لِوَجْه وَاحِد» والذي صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ثم أصدر ديوان «بكائية على صدر الزمان» المطبوع في مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع ثم اصدر له نادي الرياض الأدبي ديوانه الشهير «صباح القرى» وله بعض الدراسات والمؤلفات الأخرى.
انتقل أحمد فقيهي إلى رحمة الله يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر صفر للعام 1446 الموافق للعشرين من شهر أغسطس للعام 2024 بعد مرض ألم به وقد نعته الأوساط الثقافية والوسائط التقنية والوسائل الإعلامية واصفة الدروب الجميلة والمبهجة التي أورثها الراحل للثقافة وأهداها للأدب وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من عبارات النعي لكبار المثقفين ورفقاء دربه الذين قدموا عبارات التعازي والمواساة لأسرته ولأحبابه وأقاربه وللوطن بأكمله.
ترجل الفارس فقيهي بعد بطولات أدبية راسخة ولكنه بقي وجهاً مضيئاً في الذاكرة بعد أن أشعل «قناديل» الضياء في دروب الصحافة وأوقد «مشاعل» الإمضاء في مدارات الثقافة.
حياة حافلة بالأثر قضاها فقيهي مبدعاً يتسم بهدوء «العقلاء» في عواصف الاختلاف ويتصف بسرور «النبلاء» أمام عواطف الائتلاف..
نال محبة الكل وحصد مودة الجميع بعد أن عاش ممهوراً بموضوعية «فريدة» استندت إلى «مسافات» وضعها بمقياس «الإنسانية و»استيفاءات» رسخها بمعيار «المهنية».
أحمد عائل فقيهي.. شاعر الحداثة وحديث الشعر وحدث الشعور والنجم الساطع في واقع «الاعتبار» والاسم اللامع في وقع «الاستذكار».