فضل بن سعد البوعينين
تهتم التنظيمات الإرهابية، والدول الداعمة لها، بالجوانب الإعلامية، والإعلام الرقمي على وجه الخصوص، وتنشئ من أجل ذلك قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية، وتجند إعلاميين وصحفيين ومعدي برامج من أجل محاولة تبييض أعمالهم العدائية القذرة، واستهداف دول ومجتمعات لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، ومنها توجيه الرأي العام، وزعزعة الأمن، ونشر الفتنة، وتلميع وإبراز الموالين لهم، وتهيئة البيئة الحاضنة لتجنيد العملاء، وتفريخ الإرهابيين.
ومتى ارتبطت خلايا الإرهاب الإعلامية بالدول، كان تأثيرها وانتشارها أقوى، لوفرة التمويل المالي الذي يعتبر عصب المنظومة الإعلامية، ووجود الدعم اللوجستي، والمرجعية الموحدة والتنظيم الاستخباراتي الذي يهتم بوضع الاستراتيجيات والبرامج والإدارة والتحكم في الرسائل الإعلامية، وتوجيهها من خلال أدواتهم الإعلامية.
يمكن للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تغذية التطرف، ونشر الكراهية، وإثارة المجتمع، وإشعال نار الفتنة التي تتحول مع مرور الوقت إلى مواجهات داخلية مؤثرة، كما حدث في بريطانيا الأسابيع القليلة الماضية، التي تعرضت لأعمال شغب، صُنفت على أنها الأعنف والأوسع منذ عام 2011م. منصة ( X ) كانت ضمن المتهمين بإثارة أعمال العنف، حيث شن الكاتب جوناثان فريدلاند، في صحيفة الغارديان البريطانية هجوماً لاذعاً على الملياردير الأميركي إيلون ماسك، وطالب السلطات بمحاسبة الجميع عن أعمال العنف، بما في ذلك «ماسك»، الذي اتهم بالمساهمة في نشر الكراهية عبر منصة «إكس».
رئيس الوزراء البريطاني «كير ستارمر» قال إن «وسائل التواصل الاجتماعي ليست مناطق متحررة من القانون عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا». قناعة جديدة لم تكن حاضرة في تعامل بريطانيا والغرب مع عمليات الشغب التي حدثت في الدول العربية.
أدركت السلطات البريطانية مخاطر وسائلِ الإعلام الاجتماعي والإعلام عموما، وتأثير الرسائل المحرضة على الكراهية، وتجييش الشارع على أمن المملكة المتحدة، واقتصادها، والسلم الاجتماعي، فسارعت إلى ضبطه، ومحاسبة المغردين، وتقييد الحريات التي كانوا، وما زالوا، يطالبون الدول العربية بنشرها وعدم التدخل في تقييدها وإن مست أمنهم الوطني، وتعارضت مع الأنظمة والقوانين!.
تجرعت بريطانيا من كأس السم التي سَقَت به بعض الدول العربية والإسلامية من قبل، غير أن وسائل إعلامها، وفي خضم معاناتها من المخربين والمتطرفين، استمرت في ممارسة دورها التحريضي على الدول العربية، وأصرت على احتضان المجرمين، والمتطرفين الذين صدرت أحكام قضائية في حقهم، بذريعة اللجوء السياسي.
عدد من اللاجئين، والمهاجرين غير القانونيين كانوا ضمن المحرضين على العنف ونشر الكراهية والإخلال بالأمن في بعض المدن البريطانية. خطر هؤلاء لم ينعكس على دولهم فحسب، بل وعلى الدولة الحاضنة لهم، وهذا ما شاهده العالم خلال الأسابيع الماضية. ومثلما اشتكت بريطانيا من التحريضِ الخارجي، فإن معظمُ الدول العربية تشتكي منه، وتستنكر في الوقت عينه احتضان دول الغرب لأدواته، بعد أن وفرت لهم الحماية والتمويل. فلولا التمكين، والتمويل والمعونات الحكومية، والتمويل الخارجي الذي يتلقونه لما استطاعوا العيش والبقاء في أغلى العواصم الأوربية.
احتضان بريطانيا، وبعض دول الغرب، المحرضين على دولهم، ومنهم المدانين قضاءً، أو الهاربين من وجه العدالة، والداعمين للإرهاب، تحت غطاء اللجوء القانوني، والسماح لهم بالعمل ضد دولهم بحجة الحريات، هو جزء رئيس مما تشكو منه الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، والتي تطالب السلطات البريطانية بتقييد أنشطتهم العدائية.
تمكين المتطرفين، المحرضين، الإرهابيين والخارجين على القانون من وسائل الإعلام الاجتماعي، والتقنيات الخاصة بالشركات التكنلوجية، وتسويق أكاذيبهم من خلال قنوات تلفزيونية وصحف عريقة وبرامج متخصصة هو ما تشكو منه الدول الخليجية والعربية، وهي الشكوى التي بدأت بريطانيا في ترديدها بعد تعرضها لحملات التحريض الإعلامية التي سارعت لحجبها، والتدخل القانوني للحد من أضرارها، وتوقيف ومحاسبة المشاركين فيها.
تحولت العاصمة البريطانية إلى مقر دائم للمتطرفين، والخارجين على القانون، بعد أن وفرت لهم الحكومة البريطانية حق اللجوء، دون تقييد لأنشطتهم العدائية، والداعمة للإرهاب، وسمحت لهم بتلقي الدعم المالي من جماعات ودول خارجية، وهي التي لا تتسامح مع بعض التحويلات المالية البسيطة التي يتلقاها الطلاب الأجانب.
زيادة زخم الحملات الإعلامية المنظمة مؤخرا، يشير إلى نوايا الغرب السيئة تجاه الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، وإصرارها على مواصلة تنفيذ مشروعها التدميري الذي بدأ بـ (الربيع العربي) وما زالت بذوره قائمة حتى اليوم، ما يستوجب العمل المنظم لمواجهته، والحد من مخاطره، واستثمار جميع الأدوات المتاحة، بما فيها الأدوات الدبلوماسية، الإعلامية، الاقتصادية والمالية، في ردع كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن واستقرار الدول الخليجية والمنطقة، ومواجهة الدول العميلة التي تشكل ترسا نشطا في منظومة الإرهاب الدولية.