عبدالله إبراهيم الكعيد
حتى أبدأ الحكاية يُفترض أولاً توضيح المفردات المكوّنة للعنوان أعلاه. فاللاقط هو الميكرفون الذي يختصره البعض بالمايك كقولهم (المايك معك، أو المايك مع فلان) أما الغزوة فهي مفردة تفاخر بها أهل التطرف والإرهاب حين يقومون بتنفيذ عمليات عنف ضد فئة أو فعالية ثقافية أو أجهزة أمنية يطلقون عليها ادّعاءً صفة جهادية مثل (غزوة مسرح كلية اليمامة) أو (غزوة معرض الكتاب) أو (غزوة مبنى المرور) الخ.
أما بعد:
أقول إن الذين سبق لهم التحدث في برامج الإذاعة أو التلفزيون يعرفون معنى (رهبة الميكرفون) فمنذ جلوس المتحدث خلف تلك الآلة صغيرة الحجم أو تركيبها على صدره ينتابه الارتباك ويزداد لديه حس مسؤولية الكلمة فيحسب تبعا لذلك ألف حساب. لاحظت أنا كاتب هذه السطور تغيرا في سلوك ضيوف البرامج التي شاركت فيها معهم. فقبل الدخول للأستديو وتركيب لواقط الصوت لاختبار أصواتهم تجدهم منطلقين في الأحاديث والدعابات والتبسّط في الكلام، ولكن ما أن يطلب المخرج من الضيوف التحدث لتجربة نقاوة الصوت في النواقل قبل البدء إلا وتتغير السحنات ويطغى الصمت الوجِل.
هنالك فئة تهاب من لواقط الصوت وتتلعثم في الكلام وأخرى لا يهمها ولا تفكر فيما ستقول وفي كثير من الأحيان تكثر سقطات تلك الفئة. فئة ثالثة تآلفت مع المايك وأعطته ما يستحقه من اهتمام ومن هؤلاء المذيعون المحترفون. أعرف مذيعا مخضرماً حينما يتحدث خلف المايك يهيم في عالمه الخاص ويصبح كما المغني الذي يتقمص مشاعر كاتب كلمات الأغنية الرومانسية.
من جهة أخرى قد يُشعل الميكرفون حربا تحت قبّة البرلمانات فقد شاهدت مثل غيري اشتباكا بالأيدي استخدمت فيه القبضات وقفز الرجال نحو منصّة الرئيس في قاعة الاجتماع لمبنى أحد البرلمانات الآسيوية. كان الهم الأوحد للرئيس حينها هو الحفاظ على (سلامة) الميكرفون وعدم الاستيلاء عليه من قبل أيّ طرفٍ من المتشابكين وقد تابع العالم هذه الفضيحة وأمثالها عبر شاشات المحطات الفضائية التي بثّت (المضاربة البرلمانيّة) وكيف استمات الرئيس (الهمام) لحماية اللاقط بجسده ليقينه بمدى تأثير تلك الآلة العجيبة في ترجيح أحد كفّتيّ الصراع أو تسوية الأوضاع وإعادة الهدوء للمكان الذي يُفترض فيه أن يكون منبرا للديموقراطية وسماع صوت الناس ومطالباتهم.
ثم إن قادة أي انقلاب عسكري على حكوماتهم الشرعية قد تعارفوا على اصدار البيان رقم (1) الموجّه للشعب يُتلى من خلال الإذاعة الرسمية للبلاد، ينقله لأسماع الناس لاقط صوتي لا يرتجف خوفاً ولا يهتز فزعاً لجسامة الحدث. الميكرفون في هذه الحالة يعد سلاح الانقلاب الأهم، بل الأخطر.
اللاهثون وراء (المايكات) في الندوات أو في مساحات منصة (X) الحوارية أولئك الذي لا يستطيعون كبح شهوة الكلام لديهم لهم حكايات قد أتناولها في مقالات قادمة.