د. أحمد محمد القزعل
اهتم الإنسان منذ قديم الزمن بالحكايات والقصص المفيدة النّافعة، ومع اختراع الطباعة وانتشار الكتب ووسائل الاتصال الحديثة بشكل واسع، تعددت أشكال القصص والحكايات، حتى صارت اليوم حاجة نفسية تشبع رغباتنا وتلهم خيالنا، وللأسف تأتي القراءة في العالم العربي في المرتبة الأخيرة بالنسبة لاهتمامات الإنسان العربي، حيث يبلغ معدّل القراءة عند الفرد 6 دقائق سنويّاً مقابل 200 ساعة سنويّاً للفرد في أوروبا وأمريكا، ووفقاً لتقرير التنمية الثقافية لعام 2011 الصادر عن مؤسسة الفكر العربي فإنّ الطفل الأميركي يقرأ تقريباً 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنويّاً.. وقد اتّفق علماء النفس والتّربيّة على أنّ القصص والأخبار والسّير من أقوى أساليب التّربية الصّحيحة، فهي تؤثر في عقل الطفل ويصغي لها بشكل جيد، ويساعد سرد القصص والحكايات على تقوية عملية التواصل الفعال بين الآباء والأمهات والأطفال وبناء علاقات إيجابية تنعكس بصورة فعالة على شخصية الطفل وتساهم في تنمية الحصيلة اللغوية للطفل، وتنمية معارفه ومعلوماته وقدراته التواصلية المختلفة، ولا بدّ من تعويد الطفل منذ الصغر على ملامسة الكتاب وتقليب صفحاته، لأن هذا ينمي قدرات الطفل الحسية والحركية، مع التركيز على جذب انتباه الطفل من خلال طريقة رواية القصة واستخدام تعبيرات الوجه والإشارات وتعدد نبرات الصوت، بحيث يندمج الطفل في عالم القصة الخيالي، مع تحفيز الطفل على المشاركة في تمثيل بعض المشاهد والأحداث، مما يساعد في نمو الجانب الأخلاقي والاجتماعي لدى الطفل.
ويفضل تنوع القصص والحكايات والروايات المقروءة للطفل ، بحيث تسهم في تنمية شخصيته من جميع جوانبها، فهناك القصص والحكايات التاريخية، والعلمية والخيالية..، ولكل مرحلة عمرية ما يناسبها من الحكايات والقصص النافعة، ولقد صنف علماء النفس مضامين القصص والحكايات، وأنواعها ووضعوا لكل مرحلة عمرية قصصا وحكايات تناسب نمو الطفل العقلي وتطوره النفسي، فيجب مراعاة أنواع القصص المفيدة للطفل والمعايير والقيم التي تسود في مجتمعاتنا.
ومن أفضل القصص ما ورد من قصص الأنبياء والخلفاء الرّاشدين والصّالحين ورجال الإسلام الفاتحين، وذكر محمد بن الحسن الشّيبانيّ عن أبي حنيفة النعمان قوله: «الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحبّ إليّ من كثير من الفقه، لأنّها آداب القوم وأخلاقهم، وشاهده من كتاب الله تعالى قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} (111) سورة يوسف.
وقال بعضهم: الحكايات جند من جنود الله تعالى، يثبت بها قلوب أوليائه وشاهده قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (120) سورة هود، وقال آخر: استكثروا من الحكايات، فإنّها درر، وربّما كانت فيها الدّرّة اليتيمة « (جامع بيان العلم وفضله، الصفحة: 509).
وقصّة سيّدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السّلام وقصة أصحاب الغار والتّابعي أويس القرني وقصّة أصحاب الأخدود، لأكبر شاهد على اهتمام الدّين الإسلاميّ بالقصص المفيدة النّافعة المؤثّرة التي يعتبر بها أولو الفهم والمنطق الصحيح.