محمد سليمان العنقري
عبر كثيراً عن مخاوفه من نشوب حرب عالمية ثالثة في خطاباته مؤخراً أمام مناصريه المرشح عن الحزب الجمهوري في السباق الانتخابي على كرسي الرئاسة الامريكية دونالد ترمب، وذلك في حال فوز منافسته عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، مؤكداً أنه لو فاز بالرئاسة فإنه قادر على منع نشوبها، فهل هناك بوادر لهذه الحرب التي لن تكون بأسلحة تقليدية فعلياً، وكيف سيمنعها إضافة إلى أنه لم يوضح لماذا إذا فازت منافسته فإن فرص قيامها ستكون شبه حتمية، وهل أراد من خلال هذا التحذير كسب أصوات الناخبين من خلال اللعب على وتر الأمان والسلم الذي يدغدغ به مشاعرهم ورغبتهم بالحياة المرفهة البعيدة عن النزاعات؛ لأن اميركا ستكون بكل تأكيد في قلب مثل هذه الحروب الكبرى لو اشتعلت..
من المعروف أن الانتخابات الرئاسية، في أميركا تحديداً، يطلق فيها تصريحات نارية من طرفي السباق وتوجه اتهامات لاحصر لها ضد كل طرف ويسعى كل منهما إلى التقليل من شأن الطرف الآخر في قدراته بإدارة شؤون القوة الأولى بالعالم، لكن إذا ما نظرنا إلى الأحداث الجارية في العالم اليوم فإنها تؤكد أنه على حافة التوسع في الصراعات، وأن جُل الأهداف مما يدور يصب في خانة واحدة وهي الهيمنة الاقتصادية ففعلياً أخطر هذه الصراعات الحرب الروسية الاوكرانية والتي بدأت تتطور لمراحل خطيرة بعد دخول القوات الاوكرانية لاقليم كورسك الروسي والرد عليها بقصف مواقع حيوية جدا داخل اوكرانيا، وقد تتطور للانتقال لاستخدام أسلحة فتاكة، فمازال لدى روسيا الكثير في جعبتها من حيث التسليح، والأهم أنها لن تقبل بالهزيمة؛ فمشروعها لايقف عند حدود حماية أمنها القومي من توسع حلف الناتو ليشمل اوكرانيا، بل هي تريد إعادة دورها الدولي لتكون أكثر تاثيرا فيه من كافة النواحي، وخصوصاً اقتصاديا فرغم أنها دولة عظمى عسكرياً بامتلاكها لمخزون هائل من الأسلحة النووية وهي أيضا عضو دائم في مجلس الأمن إلا أنها تمتلك ثروات طبيعية ضخمة وإنتاجا زراعيا يلعب دور رئيسي في إمدادات الاغذيةعالمياً الرئيسية كالحبوب، لكن حجم ناتجها القومي الذي يفوق 2 تريليون دولار لا يعكس حجم هذه الثروات ومساحتها الضخمة فهي أكبر دولة بالعالم وعدد سكانها يقارب 150 مليون، ولديها إرث علمي وصناعي وثقافي بارز منذ عقود طويلة، لكنها تبحث عن مضاعفة ناتجها الاجمالي عدة مرات، وهذا لا يأتي إلا باستعادة مكانتها التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي، وهو ما يعني أن يكون لها دور عالمي أكبر بالتجارة الدولية وامتلاك التقنية والشراكات مع العالم والذي يصطدم برفض الغرب ومحاولة عرقلته تقدمها، ولذلك كانت حريصة على اقامة تحالف اقتصادي قوي يتمثل بمجموعة بريكس، إضافة لفرض قوتها بمنع تهديد أمنها القومي من الغرب واشغالها عن إمكانية أن تأخذ مكانة اقتصادية رفيعة ورئيسية في العالم، وهذا الاتجاه واجهه الغرب بقيادة اميركا بدعم ضخم لاوكرانيا لاستنزاف روسيا واضعافها، وإذا ما استمر الدعم العسكري والمادي مع وصول هاريس للرئاسة فإن الصراع قد يتوسع ليشمل دولا اوروبية أخرى، وهذا ما يعني عملياً قيام حرب عالمية ثالثة، بينما يعد ترمب بأنه قادر أن يوقف الحرب الروسية الاوكرانية فوراً بوصوله للبيت الأبيض من خلالرض حل سياسي مُرضٍ.
وبالمقابل، فإن شرق آسيا أيضاً لا يمر بظروف مستقرة فهناك دعم لتايوان من أميركا يستفز الصين والتي بدورها جرت بعض الصدامات بين بحريتها مع البحرية الفلبينية خصوصا أن اميركا اقامت ايضاً تحالفا مع استراليا وبريطانيا وكندا وفنزويلا في المحيطات والبحار حول الصين موجهة صدها ومن المعروف ان واشنطن تخشى من النمو الاقتصادي الهائل والمتسارع للصين وتقدمها تكنولوجياً وسيطرتها على التجارة الدولية من خلال مبادرتها الحزام والطريق، ولذلك تعمل في مناطق جغرافية عديدة قريبة وبعيدة عن الصين لوقف تمددها التجاري والاقتصادي وخصوصاً في افريقيا حيث أسست مجموعة السبع الكبار بقيادة أميركا مبادرة اعادة بناء العالم بحجم استثمار يبلغ 600 مليار دولار وهي موجهة لإفريقيا التي سبقتهم لها الصين، وكذلك روسيا بدات تؤسس لها مكانة كبيرة فيها فكل هذه الاحداث والاستفزازات حيث يرى ترمب ان الديمقراطيين سببها، وأن بقاءهم في البيت الابيض سيشعل جبهة في آسيا بسبب سياساتهم وأهدافهم بإحداث الفوضى عالمياً، وستكون مكملة للحرب في اوروبا؛ أي أن العالم سيشهد حروبا طاحنة لا أحد يعرف مدى آثارها المدمرة وهو يرى بانه يستطيع أيضا وقف هذه التوترات في آسيا والتفاهم مع الصين؛ فهو ينطلق من عقلية التاجر الذي يبرم صفقات ناجحة، وهذا ما يقوم عليه منهجه السياسي.
التوترات السياسية والصراعات العسكرية حقيقة واقعة وقائمة، واذا كان ما يحدث في اوروبا وآسيا هو محط مخاوف ترمب فإن الشرق الاوسط ليس ببعيد عن هذه النزاعات خصوصاً مع العربدة الإسرائيلية بحربها على غزة، لكن بالمقابل لا يخلو الأمر من المبالغة فأيضاً الدول الاوروبية وروسيا والصين ودول شرق آسيا وكذلك في الشرق الاوسط تعي مخاطر الحروب وستعمل على وقفها حماية لمصالحها الاقتصادية ومكاسبها التنموية والسعي للاستقرار والسلم الدولي.