رمضان جريدي العنزي
نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مفاهيمنا لمعاني الضيافة والكرم، والذي تغيرت مفاهيمه جذرياً عن الضيافة الحقة والكرم الأصيل، لقد أصبح اليوم هم المضيف المدح والإشادة والإطراء، وغايته كاميرات وفلاشات التواصل الاجتماعي ليس إلا، إن سلوك التصوير والتباهي المفضوح لا يعد كرمًا أبداً، ولا يعد من نبل الأخلاق، ورقي السلوك، ومحاسن الرجال، التي تربى عليها الكرماء الحقيقيون، بل هو ضرب من ضروب الجهل والهياط والتبجح والتأرجح والكرم المزيف، رحم الله (مقحم بن مهيد) مصوت بالعشاء في زمن الضنك والجوع والحاجة والفاقة، الذي خلده التاريخ من دون أن يسعى للتخليد، وعزائي الكبير لبعض مصوري العشاء والضيوف والقهاوي والمجالس دون مبرر، والذي لن يخلدهم التاريخ مطلقاً، وإن صوروا ونشروا وسنبوا وتكتكوا، فالكرم الحقيقي دثار وليس شعار، وفطرة وسليقة وليس مباهاة واستعراض، إن صاحب الكرم الأصيل النابع من فطرة كرم حقيقية، وصفاء نفس، وسلامة قلب، لن يقوم بتصوير ضيوفه وصحونه ومجلسة وحركاته المصطنعة في الترحيب والتهليل، إن الرجال الأطياب لا يعملون ذلك أبداً، بل يكرمون بخفية وصمت، وبعيداً عن الضوء والفلاش والصورة، احتراماً للنعمة التي منها الله عليه، واحتراماً للضيوف، وتقديراً لمشاعرهم، ووفقاً للقواعد والموازين الدينية والأخلاقية والعرف والإرث الأصيل.
إن السلوك في الكرم الأصيل هي المحك الحقيقي التي تنطوي عليه الشخصية الكريمة، من سمو ذات، ونبل معدن، إننا نعاني اليوم من أزمة (هياط) كبير وكثيف ومتنوع منذ دخول منصات التواصل الاجتماعي علينا، لقد تغيرت معها الأخلاق والطباع، والعادات والتقاليد الحميدة، إن أصحاب النفوس الكبيرة، يستحون من الأعمال الدونية الصغيرة، والأفعال الرديئة، إن أحاسيسهم المرهفة ورجولتهم تمنعهم من الانحدار إلى المستنقعات، بل يظلون صائنين أنفسهم من القبائح والفضائح وسوء الأعمال والأفعال والمآلات، إن الذي لا يستحي من الله ولا يخشاه، ولا يستحي من الناس، يعمل الدونيات من التمثيليات دون حساب أو نقد ذاتي، إن الحياء من الله والخشية منه وحمد النعمة وشكره عليها، وإن الله مطلع على القول والنية والفعل، لا يعمل به سوى العقلاء أصحاب الحكمة والرأي الصائب السديد، أن الذي يستحي من الله يمتنع عن الذنوب والمعاصي بكل أشكالها وأنواعها وألوانها، ويبحث عن الاستقامة والنجاة، إن الاستهتار بالموازين والقيم، وتجاوز الخطوط الحمراء، والعبث بنعم الله تصويراً وشيلة وهياط ومباهاة واستعراض، يعد نقصاً حاداً في شخصية الرجل، وسقم واضح فيها، تحتاج إصلاحا سريعاً وترميماً وإعادة صيانة وهيكلة، إن مناسيب الكرم الحقيقي قد انخفضت إلى أدنى درجاتها، وإلى حد بعيد، وحل محلها الكرم المزيف، الذي يحير العقول والألباب، ويصيب الرؤوس بالصداع، والأجساد بالوهن، وهنا تكمن الطامة، لأنه أصبح بيننا ألف ألف كريم مصطنع عبثي مزورغشاش للحقيقة مخادع لها مدلس نصاب ومزيف.