نجلاء العتيبي
في مجريات الحياة المعاصرة، تبرز أمامنا قضايا عُظمى تفرض تحدياتٍ تتجاوز قدرتنا الاعتيادية على التعامل معها، تلك القضايا تتطلَّب منا التفكر العميق، وإعادة صياغة كاملة للمنطق الذي نستخدمه لفهمها، فهي مشكلات لا تقبل الحلول السطحية، أو الاستجابات العادية.
على سبيل المثال، التغيُّر المناخي يضع الإنسانية أمام اختبار حقيقي؛ إنه ليس مجرد مسألة بيئية، بل أزمة تشمل جوانب متعددة من الحياة، كيف يُمكننا الاستمرار في نمط الحياة الحالي، ونحن ندرك التأثيرات السلبية التي يُخلِّفها؟
إنه سؤال يتطلَّب النظر في كل ما نعده بديهيًّا.
من هنا يظهر التحدي الحقيقي: هل نستطيع تحويل إدراكنا إلى أفعال ملموسة تُنقذ الكوكب للأجيال القادمة؟
«خلص فريق من الباحثين بجامعة هاواي إلى أن 58 في المائة من الأمراض المعدية البشرية المعروفة قد تتفاقم بسبب تغيُّر المناخ؛ وذلك بسبب الاحترار، وظواهر الطقس المتطرفة، مثل: الجفاف والفيضانات، أو موجات الحرارة الشديدة، وأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين تزايد انتشار مُسبِّبات الأمراض وبين التغير المناخي».
إن التغير المناخي يؤدي دورًا خفيًّا في زيادة حدة الأوبئة، يؤثر بشدة على تكاثر الأوبئة بطرق خفية، فمع ارتفاع درجات الحرارة، وتغير نمط الفصول تتغيَّر البيئة بطرق تجعل من السهل على الأمراض الانتشار.
فتسارع تغير المناخ يفتح الباب أمام ظهور أوبئة جديدة، حيث تمتدُّ مواطن العدوى، وتشتدُّ خطورتها في بيئاتٍ لم تكن مهيأة لها من قبلُ، في هذا المشهد المتغير يصبح من الصعب التنبؤ بكيفية تطوُّر الأوبئة أو متى ستضرب البلاد؛ ما يجعل تأثيراتها على الصحة أكثر تعقيدًا، وأشد وقعًا.
فالتغير المناخي يفرض واقعًا جديدًا يؤثر بشكل مباشر على الأوبئة، تتغيَّر طبيعة الحياة على الكوكب، فالمناطق التي كانت آمنة من انتشار الأمراض تتحوَّل إلى بيئات خصبة لانتشار الفيروسات والبكتيريا؛ ما يؤدي إلى تفشي أمراض غير مألوفة في تلك الأماكن الطبيعية نفسها؛ فتُعيد تشكيل أدوارها؛ ما يخلق توازنًا جديدًا قد يكون أكثر قسوة على البشرية، في ظل هذا التغير نجد أنفسنا مجبرين على إعادة النظر في كيفية تفاعلنا مع البيئة، فكل تحرُّك خاطئ يُعمِّق أثر تلك الأوبئة، ويزيد من قدرتها على الانتشار.
التحدي هنا ليس فقط في التعامل مع الأوبئة الحالية، بل في توقع الأمراض التي قد تظهر؛ نتيجة للتغيرات البيئية.
فالأوبئة التي اجتاحت العالم مؤخرًا تُعَدُّ خطرًا آخر لا يقلُّ أهميةً، وليست المسألة مجرد إيجاد حل واحد، بل في القدرة على استشراف المستقبل، وتحديد المسارات الممكنة لتحقيق تغيير جذري، وإلى رؤية بعيدة المدى تتجاوز اللحظة الحالية.
فالتحديات الكبرى هي دعوة لنا للتفكُّر فيما نستطيع أن نفعله لتحسيناتٍ جديدةٍ تحافظ على سلامة كوكبنا، وللتأكيد على أن ما نقوم به اليوم سيُحدِّد ما نكونه غدًا.
الحلول ليست جاهزة أو متاحة في متناول اليد، بل تتطلَّب منا الاستعداد الدائم للتغيير والتكيُّف مع الظروف الجديدة.
ختامًا: الأوبئة الصحية تُقدِّم لنا تحديًا شاملًا يمسُّ جميع جوانب حياتنا، هي ليست مجرد اختبار لقدرة الأنظمة الصحية، بل هي امتحان لقدرتنا على التكيُّف والتآزر، وعلى التفاعل مع واقع جديد قد يفرض نفسه في أي لحظة.
ضوء
«مع تغيُّر المناخ، تصبح الأوبئة أكثر انتشارًا وتنوعًا، حيث تتغيَّر ديناميات البيئة؛ ما يخلق ظروفًا مثالية لانتقال الأمراض».