سطام بن عبدالله آل سعد
في أحد الأيام، تلقيت اتصالًا من صديق عزيز يخبرني فيه بقرار الانتقال إلى الرياض بعد حصوله على ترقية في عمله. كان يسكن في إحدى المحافظات التابعة للعاصمة، لكن متطلبات الوظيفة الجديدة استدعت أن يكون متواجدًا في الرياض بشكل دائم. هدفه كان واضحًا؛ إيجاد منزل يلبي احتياجات عائلته المكونة من أربعة أفراد ويوفر لهم بيئة مريحة وآمنة.
اتفقنا أن أساعده في هذه المهمة، وبدأنا رحلة البحث عن منزل مناسب للعائلة. كنا نبحث يوميًا، متنقلين بين الأحياء المختلفة، ونعاين الشقق والأدوار المتاحة للإيجار. ولكن سرعان ما واجهتنا صدمة الأسعار المرتفعة بشكل مبالغ فيه، دون مبرر واضح. في أحد الأحياء، وجدنا شقة في منزل يعود بناؤه إلى 18 عامًا، وكان الإيجار المطلوب 40 ألف ريال سنويًا! عندما استفسرنا من أصحاب الشقق والمكاتب العقارية عن السبب، كانت الإجابات غير مقنعة، وغالبًا ما كانت تدور حول «هذا هو السعر الحالي في السوق» أو «الطلب كبير على هذا الموقع».
من خلال هذه التجربة، بدأت أتساءل عن العوامل التي قد تكون وراء هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار. هل يعكس ذلك نموًا اقتصاديًا سريعًا؟ أم أنه نتيجة لتضخم الأسعار؟ قد يكون الارتفاع مرتبطًا بالطلب المتزايد على السكن في مدينة تشهد نهضة اقتصادية غير مسبوقة، حيث تزداد الحاجة إلى السكن مع توافد القوى العاملة والمستثمرين إلى الرياض. لكن هل هذه الأسباب وحدها تفسر هذا الارتفاع؟
من جانب آخر، قد تكون هذه الأسعار نتيجة لعوامل اقتصادية تؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة بشكل عام، مثل تركّز الوظائف في الرياض، مما يزيد من التحديات التي يواجهها سوق العقارات. ربما تظهر هنا فرصة لتطوير ضواحي الرياض لتوفير خيارات سكنية متنوعة وبأسعار معقولة، مما يخفف من الضغط على المناطق المركزية ويعزز استقرار السوق.
حاولنا التوجه نحو أطراف المدينة، معتقدين أن الأسعار ستكون أقل هناك. لكننا وجدنا أن الارتفاع لم يكن مقتصرًا على الأحياء المركزية فقط، بل طال كل ركن من أركان الرياض. بدأ صديقي يشعر بالإحباط، وزاد قلقه مع مرور الأيام بأن الراتب الذي حصل عليه بفضل ترقيته الجديدة لن يكون كافيًا حتى لتغطية تكاليف الإيجار.
بعد أسبوعين من البحث، جلسنا لنقيم الوضع. كانت الخيارات محدودة، والميزانية لا تسمح له بالعيش في منزل يناسب احتياجاته في الرياض. وبعد تفكير طويل، اتخذ قرارًا نهائيًا: سيظل يسكن في محافظته ويتنقل يوميًا إلى الرياض. صحيح أن المسافة طويلة، لكن ذلك كان الخيار الأكثر عقلانية من الناحية المالية. فالزيادة التي حصل عليها من الترقية لن تكفي لتغطية الإيجار المرتفع، بل ستضطره لدفع ما يقارب 27 % إضافية من راتبه لتأمين منزل مناسب.
في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لتخفيف الضغط على الأسر متوسطة الدخل. من بين الحلول الممكنة، يمكن للهيئة العامة للعقار إنشاء مكاتب تقييم مختصة في كل حي، تعمل على تحديد وتقييم أسعار الإيجارات والعقارات بدقة لضمان عدالة الأسعار ومنع الاستغلال. هذه المكاتب ستعمل بشكل مباشر مع الملاك والمستأجرين لضمان تطبيق الأسعار العادلة استنادًا إلى معايير شفافة ومعتمدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز شبكة النقل العام بشكل استراتيجي لتسهيل التنقل بين المدن والمناطق المحيطة بالعاصمة، مما يتيح للأفراد العيش في مناطق أقل تكلفة من دون التخلي عن سهولة الوصول إلى أماكن العمل في الرياض. هذا الإجراء من شأنه أن يقلل الضغط على سوق الإسكان داخل المدينة ويتيح خيارات سكنية متنوعة بتكاليف معقولة للأسر متوسطة الدخل.
هذه التجربة فتحت أمامي العديد من التساؤلات حول التأثير العميق للسياسات الاقتصادية على تفاصيل حياتنا اليومية. تحقيق حياة كريمة ومستدامة لعائلاتنا يتطلب إعادة النظر في هذه السياسات، وابتكار حلول جذرية تتماشى مع التحديات المتزايدة. لا يكفي أن نعالج الأعراض السطحية، بل يجب أن نسعى لخلق بيئة اقتصادية واجتماعية تضمن الاستقرار والعدالة للجميع، بحيث تكون كل أسرة قادرة على تحقيق تطلعاتها المعيشية دون أن تثقل كاهلها الأعباء المالية غير المبررة. إلى اللقاء يا صديقي...