د. تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
سادسًا: مخاطر الإرهاب الإلكتروني
يعد الإرهاب الإلكتروني أخطر أنواع الإرهاب؛ نظرًا إلى فداحة الخسائر التي يمكن أن تخلفها عملية واحدة تندرج ضمن إطاره، ويتزايد حجم التهديدات الناجمة عنه مع التوسع في استخدام تكنولوجيا المعلومات في شتى بقاع العالم، ويكمن الخطر الأكبر في هذا النمط من الإرهاب كونه عابرًا للحدود، إذ لا تقتصر أنشطته وممارساته على إقليم بعينه.
وقد أبرزت دراسة أعدها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» مكامن الخطر الذي ينبثق عن هذا النمط الإرهابي، وهو الأمر الذي دعا 30 دولة إلى التوقيع على «الاتفاقية الأولى لمكافحة الإجرام عبر الإنترنت» في بوادبست، عام 2002م، في ظل ترقب دولي من تنامٍ وتصاعد تلك الظاهرة.
وفي ورقة بعنوان: (مستقبل الإرهاب الإلكتروني) أُلقيت في (الندوة الدَّولية السنوية الحادية عشرة لقضايا العدالة الجنائية)، قدَّم الباحث «باري كولين» قائمةً مرعبة بأعمال الإرهاب الإلكتروني المحتملة التي تهدد مستقبل البشرية أبرزها:
- الوصول عن بُعد إلى أنظمة التحكم بمصانع الحبوب، وتغيير مستويات مكمِّلات الحديد، للإضرار بصحة المستهلكين.
- إجراء تعديلات عن بعد في معالج حليب الأطفال، للإضرار بصحة الأطفال الرضَّع.
- تعطيل المصارف والمعاملات المالية الدَّولية والبورصات، لإفقاد النظام الاقتصادي الثقة فيه.
- تغيير مكونات صناعة الأدوية عن بُعد لدى شركات الأدوية.
- تغيير الضغط في خطوط الغاز، وأحمال شبكات الكهرباء، مما يوقع انفجارات وحرائق مروِّعة.
- مهاجمة أنظمة التحكم في الحركة الجوية، وجعل طائرتين مدنيتين تتصادمان، عن طريق الولوج إلى أجهزة الاستشعار في قمرة القيادة بالطائرة، وهذا ممكن أيضًا في خطوط السكك الحديدية.
سابعًا: آليات المواجهة
تكمن خطورة الإرهاب الإلكتروني في فداحة التهديدات التي يسببها للدول والمجتمعات، والتي تزيد بشكل مطرد مع التقدم التكنولوجي والتقني، فقد أصبح من الممكن تدمير البنى التحتية المعلوماتية للدول في ثوان معدودات عبر البرامج المعقدة التي يجيد الإرهابيون التعامل معها، وهو ما يلقي بتداعيات سلبية ومقلقة على المجتمع الدولي.
ووفقًا لما ذكره «عبد الستار عبد الرحمن»، الباحث في مركز التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، في مقال له بعنوان: «الإرهاب السيبراني - خطر يهدِّد العالم»، فإن الجهود الدَّولية لمواجهة الجريمة الإلكترونية والإرهاب الرَّقْمي بدأت حين ناقش «الإنتربول» الدَّولي في عام 1981م إمكانية وضع تشريع قانوني خاص بالجريمة الإلكترونية، مضيفًا أن إنشاء معهد قانون الفضاء السيبراني في جامعة «جورج تاون» الأمريكية عام 1995م كان مؤشرًا لإدراك مشكلة الإرهاب الإلكتروني، وأن العديد من الدول قد اتجهت إلى تبني مبادرات على مستويات وطنية وإقليمية ودولية؛ من أجل العمل على حماية البنية التحتية للمعلومات من خطر التعرض للتهديدات السيبرانية، وعملت على إيجاد أطُر تشريعية جديدة تتعامل مع تلك الظاهرة المستحدَثة بصياغة مفهوم جديد للأمن الوطني، ثم الاتجاه إلى التعاون الدَّولي.
ولمواجهة الإرهاب الإلكتروني لا بد من توافر:
خبراء ومتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأن يكونوا مدربين تدريبًا عاليًا، ولديهم الخبرة والدراية بطرق التعرف وصد فيروسات الحاسوب والاختراقات.
أن تتوافر إمكانيات مادية من تجهيزات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة.
التواصل والربط مع الجهات العربية والعالمية المتخصصة في مكافحة الإرهاب الإلكتروني.
التحفيز المادي والمعنوي لكل من يساهم في مكافحة الإرهاب الإلكتروني.
وتقوم الدولة المصرية بمؤازرة جميع الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، لكون الأنشطة الإرهابية بجميع مظاهرها تهدف إلى تهديد أمن الأوطان والنيل من مقدراتها، فضلًا عن زعزعة استقرار الأفراد والمجتمعات.
وقد اضطلعت مصر بدور ريادي في سن تشريعات هدفها تحجيم توظيف الإنترنت في أغراض إرهابية مع الحفاظ على حرية الأفراد. كما سارت مصر في المكافحة التوعوية للتطرف عن طريق الأزهر الشريف الذي لم يترك الفضاء الإلكتروني ساحة فارغة أمام المتطرفين، يعيثون من خلاله فسادًا، فلم تتوان هيئاته من الحضور الفاعل في تلك الساحة، وكان من بينها «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف» الذي تواجد عبر منصاته الإلكترونية، ممثلًا الرواية المضادة لرواية التنظيمات المتطرفة التي تسعى لتشويه صورة الدين الحنيف وتنزع عن قيَمه سمات التسامح والتراحم وتستبدلها بالعنف والقتل والتخريب. ويقدم المرصد من خلال منصاته الإلكترونية تحليلات وتفنيدات للخطابات الإعلامية والإفتائية لتلك التنظيمات، كما يفند أيدولوجياتها، ووسائلها وأساليبها في استقطاب الأفراد.