د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أرسل إلي الأخ الكريم الدكتور الهاشمي الأمير موضوعاً سطره المرحوم الأديب المعروف أحمد عبد الغفور عطار، يتعلق بسرقة مخطوطة نفيسة، ونفاستها تكمن فيما بها من ذهب وفضة ومجوهرات، وكان ذلك من مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة، وحدث ذلك قبل العهد السعودي، وخارج الموضوع لا أعلم معياراً علمياً يمكن من خلاله إطلاق الألقاب مثل شيخ الإسلام والعلامة وغيرهما، أما اسم المخطوطة المسروقة فهي ملحمة الشاهنامة، وقد حوت على مائة صفحة في كل صفحة ثلاثين بيتاً من الشعر فقط، وهي من ملحمة الشاهنامة الكاملة التي تبلغ ستين ألف بيت من الشعر، وسنعود للتعريف بها بعد وصف المخطوطة.
فقد ذكر الأديب أحمد عبدالغفور عطار وصفا لأوراق المخطوطة وتطريز أوراقها وغلافها، فقال إن غلافها من الذهب الخالص، أما اسم الكتاب واسم مؤلفه فكان من الأحجار الكريمة النادرة الغالية الثمن، وأوراقها رقيقة من الفضة الخالصة، والحروف بارزة تشبه حروف المطبعة، إلا أنها مصبوبة من الذهب الخالص، و الغريب الذي يبدو كالخيال أو يصل إلى حد السحر، كما يقول المرحوم الأديب أحمد عبدالغفور، إن كل صفحة إذا رفعت إلى مستوى خاص، ورمى الإنسان بصره إليها، ظهرت صورة طبيعية جميلة، متقنة الصنع رائعة الفن، ثم إذا نظر الإنسان إلى الجانب الآخر ظهرت صورة غير الأولى، وإذا نظر إليها من الجانب الثالث، ظهرت صورة ثالثة بالألوان الطبيعية، وكذلك من الجانب الرابع، وإن أقل خلل في وضع الكتاب يخفي الصورة، فلا يبقى إلا احمرار الذهب وبياض الفضة، ولو كان للكتاب جانب خامس أو سادس، لظهرت فيه صورة خامسة أو سادسة، وأردف قائلاً هذا الكتاب العجيب السحري يقدر بملايين الدولارات، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الثانية.
لا شك أن من أغرى السارق لسرقة المخطوطة هو ما فيها من ذهب وفضة وجواهر، ونتمنى أن الكتاب بزخارفه ما زال موجوداً عند من هو بيده، فهو تحفة ثمينة، أما كتاب الشاهنامه فهو كتاب شعر مشهور ومعلوم يمجد الفرس وحكامهم، ويحوي على بعض التاريخ والقصص والفلسفة، ويغمز أحيانا ويلمز على الثقافة العربية، وقد كتب الملحمة أبوالقاسم الفردوسي الفارسي قبل نحو ألف عام، ونقلها إلى العربية نثراً الفتح بن علي البنداري قبل ثمانمائة عام، وعصر المخطوطة كان عصر ضعف الدولة العباسية، وعدم سيطرتها على الثغور، ومن تلك الثغور منطقة ما وراء النهر حيث قامت الدولة السامانية، إسلامية الدين تحت السلطة العباسية الاسمية، وفارسية الهوى والثقافة، وبداية كتابتها كانت باقتراح من نوح بن منصور الساماني فبدأها الشاعر أبو منصور الدقيقي، بألف بيت، وقتل فأتمها الفردوسي بطلب من محمود الغزنوي، ويقال إنه أمضى خمسا وثلاثين سنة في كتابتها. وهي بالإضافة إلى تاريخ حكام فارس خليط من الأساطير والقصص واللاهوت الهندي والفارسي واليوناني، وحديث عن الإسكندر المقدوني، ويقال إنها أساس اللغة الفارسية الحديثة، ومهما كانت الغاية منها فإن الإسلام ولغته العربية ظل وسيظل مؤثراً في ثقافات الشعوب الأخرى الفارسية، وغير الفارسية ولن ينتزع ذلك التأثير الكبير أحد، فقد بقي خالداً في فترات الضعف التي مر بها العالم العربي.