د. فهد بن عبدالله الخلف
من التعبيرات الرائجة في لهجة بريدة الدارجة قولهم: في الردّ على من قال: سلّم لي على فلان، ياصل السلام، وفي قولهم أيضًا: فلان ياثق بي(1). هذان الفعلان المضارعان في لهجة بريدة (يَاصَل/ يَاثَق) هما يردان في اللغة العربيّة الفصيحة بصيغة (يَصِل/ يَثِق)، ويعلّل التصريفيّون ذلك بقولهم: حذفت الواو في هذين الفعلين في تصريف المضارع؛ لأنّها وقعت بين ياء المضارعة، وكسرة عين الفعل(2). ويقولون إنّ الواو لا تحذف إذا كانت عين الفعل مفتوحة مثل: يَوْجَل، وفي صيغة المبنيّ لما لم يُسمَّ فاعلُه مثل: يُوصَل، ويُوثِق...(3)
إذن ما سبب إعلال الواو ألفًا في هذين الفعلين؟ إن قيل: تحرّكت الواو، وانفتح ما قبلها فقلبت الواو ألفًا فإنّ هذا لا يصحّ في حال هذين الفعلين؛ لأنّ فاء صيغ الفعل المضارع من الأفعال الثلاثيّة كلّها ساكنة مثل: يفْعَل، ويفْعِل، ويفْعُل(4)، فلا وجود لتحرّك الواو في هذين الفعلين. إذن هذا التفسير لقلب الواو ألفًا لا يصحّ.
يظلّ السؤال مطروحًا، وهو: ما التفسير الصوتيّ والتصريفيّ الصحيح لقلب الواو ألفًا في هذين الفعلين (ياصل، وياثق)؟ الذي أميل إليه في تفسير عملية القلب هذه هو مبدأ الحذف والتعويض، وذلك بمطل الحركة(5) أيْ: إطالة الحركة القصيرة حتّى تصبح حركة طويلة، فقد حُذفت الواو، ومُطِلت فتحة ياء المضارعة، وأصبحت ألفًا، ويبدو جليًّا، وملحوظًا أنّ اللهجات العربيّة الدارجة في العصر الحديث تميل إلى التخفيف باللجوء إلى حركة الفتحة القصيرة / َ/، أو ما تولَّد منها من فتحة طويلة (الألف)؛ لأنّها خفيفة، فهي الحركة الخفيفة المستحبّة عند العرب(6)، والدليل على خفّة الفتحة القصيرة / َ/ ، والفتحة الطويلة / ا / أنّها «لا تكلّف الناطق إلا إرسال النَّفَس حرًّا، وترك مسرى الهواء أثناء النطق بلا عناء في تكييفه»(7).
والملحوظ أنّ هذه الظاهرة أي: قلب الواو ألفًا تحدث في الفعل المثال الواويّ في لهجة بريدة دون الفعل المثال اليائيّ نحو: يِيْبَسْ سلمت الياء هنا، ولم تُقلَب ألفًا.
وفي الختام، هذا تفسير اجتهاديّ سبقني إليه بعض الدارسين المحدثين لعلم الأصوات الذين تبنَّوا مبدأ الحذف والتعويض عبر مطل الحركات، وتبنّاه الدكتوران: جواد الدخيّل(8)، وإبراهيم الشمسان(9) في معالجتهما لبعض القضايا الصوتيّة، والتصريفيّة المتعلّقة بالحركات، وأحرف العلّة، فرأيتُ صحّة إجرائه، وكفايته التفسيريّة في فهم ما جرى لهذين الفعلين (ياصل/ ياثق) في لهجة بريدة.
**__**__**__**__**
الحواشي:
(1) لا يعني الحديث عن هذه الظاهرة اللغويّة في لهجة بريدة أنّها غير موجودة في غيرها من اللهجات الدارجة، ولكنّ الباحث يتحدّث عن وجود هذه الظاهرة في لهجته التي يتحدّثها.
(2) انظر القواعد والتطبيقات في الإبدال والإعلال، عبد السميع شبانة، دار الظاهريّة، الكويت، الطبعة الأولى، 1440ه/ 2019م، ص142، ص143.
(3) انظر المستقصى في علم التصريف، عبد اللطيف الخطيب، دار العروبة، الكويت، الطبعة الأولى، 1424ه/ 2003م، جـ1، ص273-ص285.
)4) انظر المستقصى في علم التصريف، عبد اللطيف الخطيب، جـ2، ص1191، ص1192.
(5) انظر الإبدال إلى الهمزة وأحرف العلّة في ضوء كتاب سرّ صناعة الإعراب لابن جنّيْ، إبراهيم الشمسان، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعيّة، الحوليّة الثانية والعشرون، الرسالة 186، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، 1422ه/ 2001م، ص22 .
(6) انظر إحياء النحو، إبراهيم مصطفى، هنداوي، القاهرة، مصر، د.ط، د.ت، ص55.
(7) إحياء النحو، إبراهيم مصطفى، ص56.
(8) في أطروحته للدكتوراه (غير منشورة) ذات العنوان (إشباع الحركات في اللغة العربيّة: وظائفه ودلالاته.
(9) في بحثه ذي العنوان (الإبدال إلى الهمزة وأحرف العلّة في ضوء كتاب سرّ صناعة الإعراب لابن جنّيْ).