د.فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح
(1-3)
(بين تاءين إغرابٌ لا إعراب)
تحيَّةٌ طيِّبة عطرة معاشر القرَّاء الكرام..
أولاً: بين تاءين.
مباشرة أقولُ لمرتادي منتدى الجزيرة الثَّقافيَّة هذا إن مرادي بالتَّاءين تاء التَّبديد وتاء التَّجديد، وذلك ما يَحدُث أو يُحدَث في الكتابة العربيَّة بهيلمان التَّجديد، وهينمة رفع الشُّذوذ عنها، وسلِّ الاستثتاء منها.
إنَّ حديث هذا الباب حديث ذو شجون، ومرض عضال أَلَمَّ بنا في هذه الأعصر ذو شؤون، وعرضه ومناقشته ومعالجته تطول وتطول، والنَّاس من مختصِّين ومحبي العربيَّة في أمره في جفولٍ وقفولٍ؛ لأنَّه حسن الطِّلاء كثير الانطلاء، والوالج فيه يخدع نفسه وينخدع بها، فهو خادع ومخدوع في آنٍ، يظنُّه يفتل منكوثاً، لكنَّه ينقض مفتولاً.
وليس كفي هذا الأمر كلمة ولا كلمات، ولا مقالة ولا مقالات، بل هو حقيق بلقاءٍ ولقاءات، وحوار وحوارات، ولا ينهض به أفراد، بل مؤسسات غير أنِّي في ذي المقالة المجزوءة رائض القول فيه إلى أساسه، وفي عراض أمره على أصوله، بما يكون كاشفاً للجنف فيه، وأنَّه إفساد لا إيفاد، وتفويتٌ لا تفويف، ونزعة اندفاع لا حكمة ولا إنجاع، وإنَّ شينَه -علم الله - لغالبٌ زينه، ومرُّ باطنة لغالب حلاوة مظهره.
وسأبني مقالي هذا على إيراد معاقد القول فيه، وسأذكر موارده الَّتي أجاءت القائلين به إلى ما قالوه، مع ملاطفة الكلام على أعراضه وأمراضه، ومستوفزاته ومفزِّزاته، والتَّعليق على عثاره في آثاره، وذكر مثاله وحثاله مع لواحق به، ومستتبعات له ذوات عُلقة به.
ثانياً: مستوفزات للقول به، ومفزِّزات الأخذ به وتبنيِّه.
1- القصور في ضبط الإملاء وعدم الإحاطة به.
2- القلق والاضطراب من كثرة وقوع الأخطاء فيه لدى الكاتبين.
3- ضيق العطن لانعدام الحيلة وفقد الحلِّ النَّاجع مع وجود هذه المشكلة وتشخيصها.
4- التَّأزُّم من طول عمر مشكلة الاستثناء، ومخالفة القياس، ومقولة: وشذَّ كذا وكذا.
5- الدَّاء المُخامر (المتلازمة) ما يسمَّى الحلُّ الجذريُّ.
6- الرَّغبة في إحياء موات قول غير شهير.
7- حبُّ التَّميُّز من المختصِّ عند أقرانه ربما أرغب في ذلك، كذلك الإعلام بمعرفة المجدِّد للغريب غير الشَّهير.
8- الرَّغبة في دغدغة المشاعر الأنثويَّة.
9- الالتحاف ببريق الجِدَّة وجِدَّة البريق.
10- الولع بالإغراب.
11- حبُّ المخالفة والمناكفة.
12- اتِّخاذ صنيعته غرضاً يرشق، وشخصه عُلكة حديثٍ.
13- إحنة القياس ومحنة الاستثناء.
ثالثاً: أصول معاقد النَّظر.
1- عدم تحصيل الأصول يحرم الوصول.
2- الرَّأي الفطير كالثَّمر غير النَّضيج.
3- تنكُّب الطَّريق لا يوصل إلى الحقيقة.
4- ما كلُّ مستندٍ إلى قياسٍ صحيحٌ عمله.
5- اعتبار دفع الإلباس والتَّفريق حجَّة قائمة.
6- اعتبار أنَّ الاشتهار وما تُعُورِف عليه أصلٌ معتبرٌ؛ أي: الصُّورة المألوفة المرتسمة للكلمة في الأذهان.
7- اعتبار أنَّ كثرة الاستعمال علَّة ناهضة.
8- تمحيص الجنان من حديث الاستدراك على المتقدِّمين.
9- البعد عن تغيِّي مناهضة الاستثناء أو رفع الشُّذوذ في مسائل رسم الكلمات.
10- الجزم واليقين بمعرفة علماء العربيَّة المؤسِّسين وخالفيهم بما في قواعد الكتابة والإملاء من الاستثناء، مع القطع أنَّهم غير غائب عنهم قياس مسائل الاستثناء هذه.
رابعاً: أعراضه وأمراضه.
1- المخالفة وحب المناكفة والنَّزعة للمصاولة في منصَّات الكتابة في الإعلام الجديد= وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ الكتابيَّة (سوشلميديا) ومنصَّاته؛ كالمغترد (تويتر/ X)، والواجوه (فيسبوك)، وغيرهما من المنصَّات والمدوَّنات الإلكترونيَّة.
2- سهولة الوصول إلى المتلقِّين بأدنى؟ جهدٍ عبر هذه المنصَّات بعقد منتدى ينتظم فيه المريدون والمشجِّعون، ثُمَّ يبدأ هذا المجدِّد في بثِّ ما عنده، ونشره على المنتظمين في سلك منتداه.
3- الإعلام بالذَّات والإعلان عنها في الإعلام الجديد، وحبُّ حديث الغير عن ذات المجدِّد، وعن بديع صنعه، ومهره بالغريب.
4- خديعة الجِدَّة وجِدَّة الخديعة، إذ هو خادع لنفسه ومنخدع بصنيعه.
5- أخذ أمر العامَّة بالرَّأي الذَّاتيِّ دون موافقة الخاصَّة من ذوي الشَّأن ولا الرُّجوع إليهم فضلاً عن موافقة الأعيان وذوي الشَّأن في أمر العلم والتَّعليم.
خامساً: آثار هذا التَّجديد، وعِثاره في آثاره.
1- البعثرة.
2- فتح باب الشَّكِّ والتَّشكيك.
3- التَّشكُّك عند غير المتخصِّص في أصل ما تعلَّمه، وكذا في من علَّمه.
4- التَّشكُّك عند دارسي العربيَّة في علم مَن يعلِّمهم، وفيما هم عليه من تعليم.
5- زعزعة ثبات المتخصِّص في علمه وفي مصادر تلقِّيه وأصول علمه وأخذه.
6- خديعة المسؤول غير المختصِّ بالجِدَّة.
7- حُبُّ قولة في المسألة قولان، أو مقولة: يجوز هذا ويجوز هذا.
8- نزعة المجدِّد إلى مدح تجديده والولع بتصحيحه وتصويبه، ومحاربة منازعيه المتَّبعين المقتفين لقول السَّابقين= المسمَّون عندهم بالتَّقليديِّين، ورفع راية تبليد التَّقليد وتخطيئه من المجدِّد وأتباعه، ويكون الأمر في حيص بيص ما بين مصاولة ومنافحة بين المجدِّد وأتباعه وبين التَّقليديِّ!
9- التَّأثُّر بالجديد بتكراره، ثُمَّ التَّسليم بعدُ بما جاء به ذو الجديد.
10- التَّسلُّط على التَّقليديِّ المخالف لجديدهم بخذلان منهجه التَّقليديِّ الاتِّباعيِّ، تخطئةً من المجدِّد أو من أتباعه ومناصريه ومقتفيه، مع أنَّ المتأثِّرين بالمجِّدد إن هم إلَّا اتَّباعِيُّون له ولجديده!
11- أسوأ ما فيه أنَّ به قطع الصِّلة في الكتابة بين الخلف والسَّلف، ويظهر أثره مع تقادم الزَّمن وتعاقب الأجيال، وإذا فتح باب //جدِّدْ يا مجدِّد// سيستمرُّ التَّجديد إلى ما لا يحتاج إلى تجديد كالمقيس، وذلك حبّاً في التَّجديد والتَّغيير، ويكون التَّجديد للتَّجديد، وهذا هو التَّبديد.
12- من سوءة هذا التَّجديد أنَّ فيه خلخلةً للصُّورة المرتسمة في الأذهان لرسم بعض الكلمة، وهاك أمثلةً (هؤلاء، هذهِ، لكن، لؤي، يُسِيء، مستشفَى، هُدوءٌ) مقبولة مرضيَّة، ربَّما لا يظنُّ أحدٌ أنَّ بها نقصاً أو مخالفة قياس، فتصبح مع التَّجديد: (هاألاإ أو هألاء، هاذهي، لاكن، لُأَي، يُسِيأ، مستشفا، هُدُوأٌ) هذه هي صورها وهيئاتها بعد التَّجديد تظهر صوراً ناشزة.
13- الاستثناء ومخالفة القياس موجود في كتابة اللغات جميعها، ولا سعى? أحدٌ لطمسها، بل يتبارون في درَكْها وضبط مواضعها، وهي تقلُّ وتكثر، وهي في العربيَّة قليلة، بل الكتابة العربيَّة من أقلِّها مخالفةً كما يقول ذلك أهل المعرفة باللغات.
14- انعدام الثَّمرة لهذا العمل أو تشويهها، وإفساد الشَّجرة أو تسميمها.
15- تشتيت تصوُّر المتعلِّمين، وإرباك استملائهم، واختلال إملالهم لوقوع الازدواجيَّة فيه، فيحار الكاتب ويضطرب المكتوب، وتتنافر الكتابة وتتشاتر القراءة.
[متبوع]