سلمان بن محمد العُمري
يقول الشيخ الدكتور صالح التويجري: (زرت رجلين متقاربين في العمر تجاوزا الثمانين، وكلاهما صالحان وممن لهما سابقة في الدعوة، وجدت عند أحدهما ثلاثة من أولاده، يستقبلون يباشرون ويودعون يدعون ووجدت الآخر وحده عنده عامل يصب القهوة. هي منن على الجميع، لكن لكل شيء سبب، الأول هين لين لطيف التف حوله أولاده. والآخر فيه بعض الحدة والقسوة ربما زحفت على الزائرين. المهم هي دروس وعبر وابتلاء، اجتهد في لين الجانب مع الأولاد وتقبل منهم ما تيسر، وكذلك الأولاد مهما كان الأب صعب المراس تكيفوا أنتم مع شخصيته وتحملوا وعورته، واحتسبوا الأجر عند الله، وربما تتضخم نفس الأب فلا يكشف ضعفه فيتعزز ويتجلد، لكنه داخلياً منكسر. فاحسنوا صحبته، وتناوبوا على خدمته). انتهى كلام الشيخ صالح، وأشاركه الرأي في أن سلوك بعض الآباء مع الأبناء بل ومع غيرهم سلوك فيه من الغلظة والجفاف ما ينفر القريب والبعيد عنه، وأذكر أن رجلاً أخذ يلوم أبناء قريبه على عدم جلوسهم عند أبيهم واستقبال ضيوفه وخدمتهم له، فقالوا: إن أبانا (رجل حار) ولا يكتفي بالطلب اللطيف بل كل طلب منه يأتي بصوت عالٍ ويسب ويشتم ويتكلم علينا أمام ضيوفه مما يوقعنا في حرج كبير أمام الناس، مما أجبرنا أن نتجنب الجلوس معه أثناء قدوم الضيوف فهو لا يصبر عند الطلب ويريد كل شيء على وجه السرعة.
إن بعض الآباء يكون سبباً في عقوق أبنائهم لهم، ويكونوا هم سبب الجفوة والصد عن آبائهم خشية المصادمة أو عدم تحملهم ما يسمعونه من غليظ القول واللمز والسباب عليهم ونبزهم بألقاب غير محمودة، والأبناء لا يملكون القدرة على تغيير أو تصحيح توجهات الآباء الخاطئة فهم يفضلون التنحي جانباً، وكم سمعنا من الأبناء من يشتكون من سوء معاملة آبائهم لهم، كما نسمع بين الفينة والأخرى اعتداء الآباء على الأبناء بالإيذاء البدني والنفسي الذي قد يمارسه بعض الآباء في حق أبنائهم الذين لا حول لهم ولا قوة، والأدهى والأمر أن يكون التوبيخ والكلام الجارح عليهم أمام الناس، ولاشك أن للآباء حقوقاً على أبنائهم، وهي الطاعة في المعروف، والرعاية، والتقدير والاحترام، وكذلك للابن حق على أبيه، وليس المجال هنا لسرد كافة حقوق الطرفين، ولكننا نناقش أهمية الود والاحترام في المنزل لكل عضو فيه الاحترام المتبادل بين الزوجين واحترام الأبناء لآبائهم وتقدير الوالدين لأبنائهم بوجه عام وأمام الناس بوجه خاص.
هناك فئة من الآباء يريد أن يكون ابنه نسخة منه في شخصيته وتصرفاته وسلوكياته وهذا خطأ كبير، وعلى الآباء أن يدركوا الزمن والفترة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضاً أن الأجيال مختلفة وليست مثل ذي قبل وأن التأثيرات في البيئة المحيطة أيضاً هي الأخرى تغيرت.
إن لنا أسوة حسنة برسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، «كَانَ نبينا صلى الله عليه وسلم رقيقُ القَلب، حَسنُ العِشرَة، يَترفَّق بأصحَابِه، ولا يُهينُ أحَدَاً، مَن رآهُ هَابهُ، وَمَن عرفهُ أحبَّه، يألفُ النَّاس وَيألفونَهُ، لا يَنطقُ بفُحشٍ وَلا يَعيبُ على أحدٍ، ولا يَعيبُ حَتَّى طَعامَاً، ليّنُ الجَانب، لا يرُدُّ سَائلاً، وَليسَ بِفَظٍ وَلا غَليظ». صلى الله عليه وسلم.
إن أهل البيت أولى الناس بالتعامل الطيب والأمثل والبعيد عن القسوة والغلظة والتنفير، ولقد بينت الآيات العديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية على حق الوالدين وقد جعل الله سبحانه وتعالى برهما من طاعته بل قرن برهما بعبادته وفي هذا ما يدل على عظم حقهما في ميزان الإسلام، يقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، في هذه الآية الكريمة يوجهنا الله ربنا جل في علاه إلى كيفية التعامل مع الآباء والأمهات فقد أمر الله تعالى فيها أولاً بأن يعبد الله تعالى ولا يشرك به ثم ثنى بعد ذلك بتعليمنا أداء حق الوالدين وبيّن سبحانه وتعالى أن من حقهما أن لا يتضجر أحدٌ مما يصدر منهما في حالة الكبر لأن الكبر مظنة صدور بعض الإيذاء منهما لولده غير أن الولد مأمور بأن يتحمل ذلك من دون أن يتأفف، وجاء الأمر أيضاً بأن يخضع لهما جناح الذل من الرحمة وأن يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يرحمهما كما ربياه صغيراً، فهما قد تحملا أذاه في حالة صغره وكانا يحنوان عليه فكم من ليلة سهراها وكم من مشقة تكبداها لأجل هذا الطفل الصغير الذي أصبح رجلاً كبيراً بفضل الله ثم ببرهما ورعايتهما له، والمتتبع لعقوق الوالدين وجفول الأبناء من آبائهم وقلة مخالطتهم إياهم أنها نتاج التربية والسلوك الذي نهجه الوالدان أو أحدهما معهم إما بالقسوة أو العاطفة المفرطة وتعويدهم على التراخي وإراحتهم من كل شيء حتى شبوا على الذاتية والاتكالية.
أيها الآباء والأمهات أعينوا أبناءكم على البر بكم منذ صغرهم والعناية بتقويم سلوكهم بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة وتشجيعهم على العمل الطيب في أنفسهم ومع الآخرين فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر واحذروا من استنقاصهم عند الآخرين أو التفريق بينهم في العطاء والمعاملة وقبل هذا لا تنسوا الدعاء بالهداية والصلاح والتوفيق لهم.