د. علي القحيص
ظهر على شاشة العربية في برنامج (سؤال مباشر)، قبل عدة أيام مع مقدم البرنامج الإعلامي خالد مدخلي، الأديب والأكاديمي أحمد التيهاني، حيث تناول في حديثه تاريخ الشعراء الكبار في الجزيرة العربية، ولم يسلم من انتقاداته أحد من عمالقة الأدب العربي الذين تركوا بصمات مؤثرة في تاريخ الأدب العربي مثل «عمرو بن كلثوم» الذي اتهمه بالمبالغة والدعوة إلى العصبية، وكذب وشكك واستهجن شعرهم المتعالي، وساق بنرجسية عالية اتهامه لابن كلثوم بالعصبية والعنف والعنصرية والاستعلاء وحب الأنا، إلى جانب نتاجات كثير من الشعراء، وادعى أن عمرو بن كلثوم هو أكذب شاعر عرفته العرب!
وتابع التيهاني اتهامه الأدباء الكبار بأنهم بالغوا في الاعتزاز بأنفسهم حتى إثارة النعرات والتعصب الأعمى، وتعزيز التشرذم والاصطفاف القبلي وتناسى أن هؤلاء الشعراء كانوا يحملون هوية البيئة التي ينتمون إليها، لا يمثلون أي طائفة أو مذهب أو جهة أو قومية بمفهومنا الحديث!
بل كانت القبيلة والجغرافيا المحيطة بهم أوطاناً فسيحة لا تقيدها الأرض والسماء، وكيف ننسى أن العرب وعبر تاريخهم كانوا يفاخرون بولادة شاعر وهو لسان حال قومه وصوتهم المجلجل، في بيئة محلية تمثل منظومة اجتماعية قيمية منضبطة بقوانينها وأعرافها وعادات وتقاليد تحكمها أعراف يحترمها الجميع، وخطوط حمراء معنوية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.
وشهدنا مؤخراً ما حصل لبعض البلدان العربية حين وقعت تحت الاحتلال وسقطت أنظمتها وتم حل جيوشها أحزابها.
عادت مجتمعاتهم لتحتمي بأعرافها وقبائلها وطوائفها لحمايتها من الأقوياء والميليشيات لتؤكد فطرة البشر في التجمع والالتقاء في مواجهة المخاطر!
وهنا يبدو أن التيهاني (تاه) ما بين الماضي والحاضر، بعد أن احتج عليه كثير من المتابعين إثر هجومه على أصحاب المعلقات في العصر الجاهلي من الشعراء الكبار، الذين كانوا يرسخون القيم الثابتة والمعاني السامية ويحيون المثل العليا والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة المتجذرة في المجتمعات وتراثها، عبر ما تركوا لنا من إرث شعري وفكري مهم حلقة التواصل بين الناس وخلق حالة إبداعية لم يسبق أن تناولها بتلك الطريقة أي من النقاد عبر مئات السنين الماضية، ونسف ما قدموا لنا من إبداع شعري كان مثار إلهام أجيال من الشعراء من مختلف مذاهب ومدارس الشعر.
جاءت ردود الأفعال وتعالت الأصوات على ما بدر عن الأستاذ التيهاني في الحط من قدر شاعر كبير من وزن عمرو بن كلثوم، وصب جام غضبه على أسلافه الشعراء الكبار الذين تركوا لنا إرثاً أدبياً غنياً، لا يمكن تجاوزه وتغاضيه مهما بلغ التيهاني من خبرة وعلم ومعرفة، في عصر العولمة والتقنية الحديثة، التي تتيح للجميع استحضار أي نتاج أدبي لأي مبدع، وكذلك الاطلاع على كل الدراسات النقدية التي نشرت حول أي من هؤلاء المبدعين، من شعراء اليوم أو الماضي يمكن له منافسة عمرو بن كلثوم، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً، باعتزازه بنفسه وقومه وهو القائل:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وظهر البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ
تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا!!
** **
- كاتب سعودي