م. بدر بن ناصر الحمدان
ثمة أشخاص لا تربطنا بهم أي علاقة، ولا نعرفهم، سوى أننا نتواجد في نفس اللحظة والمكان، نتبادل النظرات الخاطفة كما لو كنا ننظر من عيون طائر، نتبادل حوارا صامتا، ما يجمعنا سوى لغة المسافة لا أكثر، ولكنها كافية لأن نخلق ذلك الرابط الوجداني المؤقت، والذي قد ينتهي بالمغادرة، ربما هؤلاء من نبحث عنهم ولا نرغب أن نجدهم أو يجدونا.
لطالما عشقت تلك الأماكن التي يقطنها الغرباء، أشعر بأننا نتواعد هناك لكي لا نلتقي، أنا لا أحب القهوة، ولكني أحتاج لها، لأنها مبرر تواجدي على تلك الطاولة التي تبقيني بجوار ذلك الآخر الذي يشعرني بي، أنا متأكد أنه لا يحب القهوة أيضاً، ولكنه جاء لنلتقي.
دائماً ما كنت أبحث عن محطات العبور، تجذبني مقاعدها المتباعدة وتلك السلالم التي نتحدث على عتباتها دون أن نتفوّه بكلمة واحدة، إنها أحد أكثر الأماكن إثارة في ردهات المدن، لقد قطعنا كل تلك المسافات من حيث أتينا لكي ننجذب لبعضنا ونظهر أننا لا نكترث لذلك، وكأننا «الحادي والثلاثين من ديسمبر والأول من يناير قريبون جداً ولكن بيننا عام».
إذا ما شاء القدر أن يجمعنا يوماً، فأنا ذلك الرجل الذي يجلس في الردهة الخافتة، ويرتدي معطفاً لا لون له، وعلى طاولته كتاب أسود، وقهوة لا يحبها، وبقايا رحلة.