د. نوف بنت محمد الزير
حفلت الأسابيع القليلة الماضية بحراك واسع ارتكز على خريجي الثانوية العامة وسعيهم للتقديم على الدراسة الجامعية التي تُعد تدرجًا نظاميًا في مسيرة التعليم والتعلم في حياة الإنسان، حيث تنوعت اهتمامات الناس بين الجامعات التي يختارونها ليكملوا فيها مسيرتهم التعلمية، والتخصصات التي يرشحونها أو يرشحون لها فيكون عليها مدار تركيزهم وعنايتهم، أو المهارات التي يكتسبونها والتي تعد شرطًا للقبول في بعض التخصصات؛ مثل مهارات اللغة العربية، الإنجليزية والرسم.. مما يعد متطلبًا للتخصصات التي يطمحون في الالتحاق بها.
وقد تبع ذلك تباين في ردود أفعال الأسر والأفراد حول نتائج القبول في الجامعات: فتجد البهجة والسرور لدى أولئك الذين كان قبولهم وفق رغباتهم، وشيئا من الرضى لمن حظي بمقعد في جامعة يستهدفها حتى ولو كان التخصص ليس رغبة أولى له، وجزءاً من التفاؤل لمن قبل في التخصص الذي يرغبه ولكن في جامعة ليست هي بيئة اهتمامه، وحيرة ودهشة لمن قبل في الفصل الثاني أو الثالث، ولك أن تتصور اختلاط المشاعر وتكدّس الأسئلة عند أولئك الذين انتهت سائر فرص القبول ولم يتحقق لهم من آمالهم شيئًا!!
لسنا في ميدان البحث عن حيثيات عدم القبول؛ سواء كان سببه أوجه التقصير التي أحاطت بالمرحلة الدراسية التي سبقت القبول، أو ظروف صحية أو اجتماعية حالت دون الوصول للمراد، أو لأن هذا التخصص أو ذاك قد تم الاكتفاء من المقاعد المحددة فيه، أو أنه تم استيفاء الأعداد المتاحة في بعض الجامعات فتوقف القبول فيها عند نسبة محددة حجبت من سواها عن القبول!!- ولا عن عدد الأسر التي يمكنها دفع الرسوم الدراسية للكليات والجامعات الأهلية؛ فمهما كثُرتْ فعددها محدود جدًا مقارنة بعدد الخريجين الذين لم يُقبلوا، ولا في ماذا عساها أن تُغطي المنح الدراسية التي لا يحظى بها النزر اليسير من المتقدمين لطلبها وفق شروط مقننة؛ - ولكن السؤال الذي يجدر بنا أن نجيب عليه إجابات واقعية يستفيد منها أبناؤنا غير المقبولين في الجامعة:
ماذا يفعل أبناؤنا الذين لم يُقبلوا في الجامعة؟
من المهم جدًا استصحاب الرضى المُحفِّز على العمل حتى ولو كانت الحال مما تكرهه النفس وتتوارى عن أعين الناس {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فكثير من الناجحين لما تعثرت مسيرتهم الدراسية، أو لم ييسر الله لهم إكمال تعلمهم في التخصصات التي يرغبونها، فتشوا في دواخلهم عن مكامن القوة وما يمكنهم من خلاله صنع فرصة وموقف إيجابي، انطلقوا وطرقوا بوابات النجاح، وتمكنوا من دخولها واستثمار الفرص والظروف والأحوال من حولهم واستطاعوا بفضل الله ثم بعزيمتهم الصادقة وسعيهم الدؤوب ومثابرتهم أن يحققوا مستويات عالية من التقدم والتميّز في مجالات شتى، ناهيك عن أولئك الذين أخذوا على أنفسهم أن يتمهروا في مجال أو أكثر من مجالات الحياة التي يحتاجها الناس وينتفعون بها، فتارة تجدهم يتعلمون لغة جديدة، وأخرى يلتحقون بمراكز ومعاهد التدريب ليشاركوا في الدورات التدريبية، وثالثة يتطوعون في جهات ترحب بهم ليشاركوها نجاحاتها ويستفيدوا من خبرات العاملين فيها، ورابعة يسهمون في تقديم خدمات مجتمعية لأسرهم وأقاربهم وجيرانهم، وخامسة يلتحقون بجهات لديها مجال التدريب المنتهي بالتوظيف والذي بدأنا نرى بوادر رائعة لتدريب يبتدئ بالتوظيف.. وسادسة وسابعة.. المهم أن يملأ وقته بما يعود بالنفع والفائدة الشخصية والمجتمعية.
وهؤلاء بتعاملهم الإيجابي مع هذا الموقف يُقدّمون دروسًا بالغة لمن حولهم ومن يأتي بعدهم من إخوانهم وجيرانهم وزملائهم في ضرورة الاستعداد الكامل لمثل هذه اللحظة - لحظة التقديم على القبول في الجامعات والتي يجب الاستعداد لها منذ بداية المرحلة الثانوية؛ مع أن الأصل أن يحرص الجميع على التفوّق في جميع المراحل الدراسية.
إن مثل هذا الإجراء يقلب الموقف الذي كسر كثيرًا من القلوب إلى أحد مسارات النجاح في الحياة؛ ذلك أن الذي أتقن مهارة أو أكثر صار مُستَهدفًا لإدارات الاستقطاب في المؤسسات المختلفة، ولعله لو قدّم على إحدى الجامعات في فُرَص قادمة لتيسر له القبول.
الذي أريد أن أوجزه: ابني الغالي/ ابنتي الغالية لنعلم يقينًا أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وأنه مهما طال وقت انتظارك فهو قصير؛ ففي كل كيان نقطة قوة يمكن أن تكون انطلاقة تصنع مجدًا، وتصعد عليها لتحقيق أهدافك، فالمؤمل منك صنع فرصة تناسب اهتماماتك وتتوافق وتطلعاتك، وليس فقط استثمار الأحوال والأجواء التي تمر عليك في الحياة لتطوير ذاتك وصناعة مهاراتك، فإن سفينة الطموح سترسو يومًا ما على الشاطئ الذي تسعى فيه لبناء جداراتك لترحب بك على متنها مشاركًا في نهضة وطنك مساهمًا في السير في محيط العالم بتفاؤل وصبر وعزيمة وسعي يجعل منك نبراسًا يُحتذى به في محافل الحياة الكريمة.
{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} وفقك الله وسددك ونفع بك.