د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تسعى السعودية إلى أن تكون رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحقيق تحول رقمي شامل يعزز مكانتها الاقتصادية والمعرفية، ما يجعلها تستضيف قمة عالمية للذكاء الاصطناعي في نسخته الثالثة وذلك خلال الفترة من 10 - 12 سبتمبر 2024 بمدينة الرياض.
هذه القمة واحدة من أهم القمم العالمية في هذا المجال التي ينتظرها المختصون والمهتمون في العالم، وبشكل خاص السعودية التي تتضمن استراتيجيتها ست ركائز رئيسية على رأسها في أن تصبح السعودية أفضل 15 دولة في تطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، مع طموح في تشكيل منظومة تضم أكثر من 300 مصدر بيانات فعالة وشركة ناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي تستضيفها السعودية بحلول 2030 وأدوات تنظيمية عالمية المستوى لتطوير ونشر التقنيات التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي.
هذا الجهد أثمر عن تحقيق السعودية في يوليو 2023 باحتلال السعودية المركز الأول عالميا في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي الذي يعد أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن تورتويس إنتليجينس وهو يقيس أكثر من 100 معيار ضمن سبعة مؤشرات، ونالت المركز الـ 31 في إجمالي مؤشرات التصنيف الصادر عن الشركة العالمية.
لدى السعودية مركز وطني أنشئ عام 2019 الهيئة الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي ( سدايا )، هدفت إلى تمكين اللغة العربية من المنافسة بفاعلية مع غيرها في المجال الرقمي، لتصبح اللغة العربية لغة عالمية ترتبط بمكانة السعودية التي هي بمثابة مركز ديني عربي يتجه نحوها أكثر من مليارين نسمة من أنحاء العالم يستخدمون اللغة العربية في صلاتهم.
اهتمام السعودية بالذكاء الاصطناعي لتكون رائدا وطنيا جديدا يسهم في جعل السعودية مركزا عالميا للصناعات المستدامة التي تركز على التقنية المتقدمة والالكترونيات التي تدخل في جميع الصناعات من أجل أن تكون صناعاتها منافسة للصناعات المثيلة لها في أنحاء العالم، وتستثمر المميزات التنافسية التي تمتلكها، ففي فبراير 2024 أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شركة آلات وهي واحدة من شركات صندوق الاستثمارات العامة تختص بتصنيع منتجات تخدم الأسواق المحلية والعالمية ضمن سبع وحدات أعمال استراتيجية: هي الصناعات المتقدمة، وأشباه الموصلات، والأجهزة المنزلية الذكية، والصحة الذكية، والأجهزة الإلكترونية الذكية، والمباني الذكية، والجيل الجديد من البنية التحتية.
لذلك اتجهت السعودية في مارس 2024 إلى إنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي لشراكة محتملة مع شركة أندريسن هوروبتز الأمريكية وممولين آخرين، لأن رؤية السعودية تستهدف تطوير قطاعات واعدة جديدة، ودعم المحتوى المحلي، وتسهيل بيئة الأعمال وتمكين المواطن، وإشراك القطاع الخاص، وزيادة فاعلية التنفيذ للوصول إلى تحقيق مستهدفات الرؤية، خصوصا بعدما شهدت السعودية مسيرة تنمية صناعية نابضة بالحياة على مدى العقود الماضية مدفوعة بالتمكين الحكومي، بدأت بتنمية القطاع الصناعي مع اكتشاف النفط الذي أصبح ركيزة أساسية في توسيع النظام الصناعي في السعودية، بجانب أنها تتمتع بجميع الممكنات التي تسمح لها الوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام بدءا من موقعها اللوجستي وما تملكه من صناعات أساسية بتروكيماوية ومعدنية، والاهتمام بالطاقة المتجددة والمجال السياحي والصحي والخدمي، بعدما كانت الإيرادات النفطية عام 2015 نحو 162.12 مليار دولار تمثل الإيرادات النفطية 73 في المائة.
ارتفعت الإيرادات غير النفطية عام 2023 إلى 408.6 مليار دولار منها 52 في المائة إيرادات نفطية، وتطمح السعودية ان تصل الإيرادات غير النفطية في 2030 اكثر من تريليون دولار، أي ترتفع الإيرادات غير النفطية من 1889 مليار ريال في 2023 إلى 4970 تريليون ريال، وناتج إجمالي بنحو 6.4 تريليون ريال.
وقد نما الناتج المحلي منذ بداية الرؤية 65 في المائة التي أطلقت في 25 أبريل 2016، وهذا لا يعني أنها تتخلى عن النفط بل ستحرص السعودية على زيادة القيمة المضافة الناتجة عنه لتعزيز نقاط قوتها عبر الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وقوتها الاستثمارية ومركزها وحضورها بين الدول العربية والإسلامية، فضلا عن مواردها الغنية والمتنوعة جعلت هذه الرؤية من السعودية محط أنظار العالم، وفي نفس الوقت تقود إصلاحات جوهرية وعميقة انطلاقا من هويتها الثقافية والاجتماعية التي انتقلت للاقتصاد والسياسة والتعليم زادت من حضورها ومشاركتها العالمية.
**
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى بمكة