عبد الله سليمان الطليان
يتحدث الدكتور مصطفى محمود عن الموت فيقول:
الموت في حقيقته حياة، ولأنه لا يحتوى على مفاجأة، ولأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى ونحن أحياء.. الموت فضيلة وخير بالنسبة للكون كله لأن به تكون الأشياء موجودة، ولكن المخلوقات مضطرمة بالشعور والحياة ولكنه شر الرذائل بالنسبة للإنسان الفرد... بالنسبة لك أنت.. ولي أنا.. لأنه ينفقنا كضرائب إنشاء وتعمير.. إن الحب كله قصة جميلة... مؤلفها هو الموت نفسه... وليس الحب فقط.. بل كل العواطف والنزوات والمخاوف والآمال وشطحات الخيال والفكر والفن والأخلاق.. كل هذه القيم تدين للموت بوجودها.
وإذا رجعنا إلى الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وهو الفقيه المتصوف الفيلسوف فإننا نجده يستخدم كلمات مثل النفس والروح والقلب والعقل، باعتبارها معاني مترادفة تعني حقيقة النفس - وذلك على علمه بالفوارق بينها - فالنفس هي جوهر الإنسان الذي تحل فيه المعقولات ولها وجوه مختلفة من النشاط، فإذا كانت تمثل الغرائز والشهوات فهي النفس الأمارة، وإذا كانت تقوم بدور الرقيب على الأعمال فهي النفس اللوامة في الحياة، والسكون قوة لأنه ابن الإدراك الصحيح والإرادة.
وإذا كانت تتجه نحو عالم الملكوت وتتنزل عليها السكينة فهي النفس المطمئنة - وأما القلب فهو يدل على العضو الذي يدفع الدم وهو عند الإنسان وغيره من الحيوان، ولكنه يدل كذلك على حقيقة الإنسان.
والروح معان مختلفة فهو يعنى روح القدس وهو جبريل عليه السلام، كما يعنى القرآن، وكذلك يعنى ما يتصرف في الحياة الجسمية والعقلية.
يرى الغزالي أن الموت هو تغير حال فقط، وأن الروح باق بعد مفارقة الجسد في نعيم أو عذاب، والموت طور آخر من الترقي وضرب آخر من الولادة والانتقال من عالم إلى عالم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة. وإذا كان تصرف الروح في الأعضاء ينتهى عند الموت، فلا يعنى ذلك أن الروح يفقد العلوم والإدراكات والأفراح والغموم، ولا يقبل الآلام واللذات.
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت: «والذي ترشد إليه الآثار الدينية (فلا تزال حقيقتها (أي الروح) من الغيب الذي لم يكشفه الله للإنسان)، انها تخرج من بدن الإنسان فيكون الموت، وأنها تبقى ذات إدراك تسمع السلام عليها. وتعرف من يزور قبر صاحبها، وتدرك لذة النعيم وألم الجحيم، وأن مقرها يختلف بعد مفارقة البدن بتفاوت درجاتها عند الله.
ويستدل الغزالي بالآيات الواردة في القرآن الكريم على خلود النفس مثل قوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ). يقول الغزالي: وقد ترسخ في جميع عقائد أهل الإسلام هذا، فإن رسول المغفرة والرحمة لمن يكون باقيا لا لمن يكون فانيا. وكذلك إهداء الصدقة فاعتقادهم أنها تصل إليه، وكذلك المنامات، فكل ذلك دليل على أنها باقية.
ويقول الغزالي: هناك أربعة أسباب:
1 - شهوة البطن والفرج وخوف الحرمان منها.
2 - ترك ماله وعلى الإنسان أن يعلم أنه لا وجه للمقارنة بين خساسة الدنيا والنعيم الموعود للمتقين.
3 - الجهل بما بعد الموت وعلى الإنسان أن يطلب العلم الحقيقي والبحث في الأمور النفسية والعلاقة بين النفس والبدن، وقد أمر الشرع بالتفكر في النفس مثل التفكر في ملكوت السماوات والأرض.
4 - خوف الإنسان من سابق عصيانه وعليه أن يبادر إلى التوبة وإصلاح أمره.