عبد العزيز الهدلق
اشتكت بعض الأندية مطلع الموسم الرياضي الجديد من قسوة الأنظمة، والحزم في التطبيق، مما جعلهم يتأخرون في تسجيل بعض محترفيهم، ويبدؤون الموسم بنقص في صفوفهم. كما اشتكت جماهير أندية أخرى بالذات التي تحولت إلى شركات، في طريقها نحو الخصخصة من وجود إداريين معينين متشددين في تطبيق الأنظمة الإدارية والمالية وهذا ما لا يتيح لرئيس مجلس الإدارة حرية العمل الكامل، وبعضهم قدم استقالته مسببة بعدم منحه الصلاحيات!!
لهؤلاء جميعاً نقول لهم يجب عليكم الانسجام مع المرحلة الانتقالية للرياضة السعودية. فزمن الفوضى الإدارية انتهى، وذهب إلى غير رجعة. وزمن قرار الرجل الواحد انتهى، وزمن الهدر المالي والعبث الإداري لم يعد له وجود في عهد الرؤية.
وطبيعي أن أي تطوير أو تغيير يكون له أعداء وهذا أمر يعرفه كل من تقلد عملاً وشهد مرحلة تطوير أو تغيير في مجال عمله، حيث يظهر المحاربون رافضو التطوير ومقاومون له. فقد اعتادوا نظام عمل رتيب روتيني متكرر، خالٍ من الابداع، ضعيف الإنتاجية.
و أولئك المقاومون متعددون في تصنيفهم وليسوا سواء. فمنهم من يقاوم لأنه اعتاد هذا النمط من العمل، ولا يريد التغيير، ومنهم من قدراته وإمكانياته المهارية والثقافية والمعرفية أقل من الانسجام مع متطلبات التغيير، لذلك يقاومه، ومنهم من هو مستفيد بأي شكل الإشكال من الوضع السائد، وأي تغيير أو تطوير يفقده المنافع والمزايا التي يتمتع بها.
وهذا بالضبط ما يحدث في أنديتنا. فالسواد الأعظم من مقاومي التغيير هم من تعودوا على النمطية المتكررة في العمل، ومن الذين لا يحبذون الرقابة والمحاسبة على الاداء.
ولقد حاولت وزارة الرياضة عبر أشكال تنظيمية متعددة أن ترتقي بالعمل الإداري في الأندية وتطوير أدائها، وتحويل منظومة العمل إلى منظومة ذات عوائد لا مستهلكة، ولكن بلا فائدة مع الغالبية، فلازال العمل الفوضوي هو السائد، وكم من رئيس نادٍ خرج من ناديه وترك وراءه عشرات ومئات الملايين من الريالات ديوناً على النادي، وكم ترك من شكاوى محلية ودولية ضد ناديه، للاعبين ومدربين لم يتسلموا مستحقاتهم!! ثم يورط الجهة الرسمية التي تبادر مشكورة بدل المرة ثلاث وأربع بتسديد تلك الديون، وإنهاء تلك القضايا والشكاوى لدى الفيفا وغيره، وتسليم اللاعبين والمدربين الأجانب حقوقهم نيابة عن المستقيل..!! ثم تأتي إدارة جديدة ويعود السيناريو للعرض من جديد. فوضى إدارية وهدر مالي وتراكم ديون ثم استقالة وهروب.!!
وقد رأى صاحب القرار أن هذا الوضع الفوضوي لابد وأن يوضع له حد. فهو وضع لا يقود إلى نمو ولا يصنع تطور. فالأموال تهدر (مئات الملايين) بلا أي مردود، ولا نتيجة.!! فكانت خطوة مشروع الاستثمار الرياضي والتخصيص للأندية الرياضية الذي أعلن عنه سمو ولي العهد حفظه الله في يونيو 2023. وهو مشروع ضخم وطموح انتقلت بموجبه ملكية الأندية الأربعة إلى صندوق الاستثمارات العامة، وانتقلت ملكية أندية أخرى لشركات عملاقة وهيئات تطوير ومشاريع استراتيجية. وترتب على ذلك تغيير في أساليب وطرق إدارة الأندية ودخول أعضاء من تلك القطاعات في مجالس إدارات تلك الأندية، والاستعانة بالخبرات الأجنبية كرؤساء تنفيذيين ورياضيين. وتم توحيد مصفوفة صلاحيات العمل داخل الأندية، واختفى بالتالي دور الرجل الواحد في النادي. فالعمل أصبح جماعياً والقرار جماعي، والمنظومة تعمل في إطار منظم، بعيد عن الارتجالية والعشوائية القديمة. وهذا التنظيم الذي لم يكن معتاداً ازعج البعض من العاملين داخل الأندية، أو من المنتمين لها من إعلاميين ومشجعين وشرفيين سابقين. كما لم يستوعبه بعض من رشحوا أنفسهم للعمل في الأندية. حيث كانوا يتوقعون أن العمل سيكون وفق الآليات القديمة.
وللأسف أن هناك من يريد لأنديتنا أن تدار بنفس عقلية إدارة ما قبل نصف قرن! وهناك من يحارب ويقاوم مطالباً ببقاء واستمرار تلك العقليات، وذلك النمط من العمل الإداري.
لقد بلغت الفوضى في إدارة الأندية والعبث المالي في زمن مضى أن هناك تعاقدات تبرم مع لاعبين أجانب ثم تنهى قبل أن يصل اللاعب للمملكة ومع ذلك يتسلم اللاعب كامل قيمة عقده دون نقصان.! وهناك لاعبون يعرضون على أندية بمبلغ معين، ثم يأخذهم نادٍ آخر بعشرة أضعاف قيمة ذلك العرض!! كانت فوضى مالية وإهدارا غير عادي.! ولم تكن تلك الأموال من الحسابات الخاصة لأولئك العابثين، بل كانت من مداخيل النادي وموارده ودعم الدولة!! لقد تجاوز الإهدار المالي كل حدود، مما جعل حقوق السماسرة في ذمم بعض الأندية تصل إلى ما يقارب نصف الديون المليارية التي عليها!
وما لدى الجهات الرسمية من معلومات وبيانات مالية أدهى وأمر. لذلك فالتغيير والتطوير الرياضي ماض ٍ في طريقه ولن يتوقف. ولن توقفه استقالة هذا أو ذاك للضغط أو غيره. ولازالت الجهات ا لرسمية تعاني من تبعات الفوضى القديمة. وتلك الفوضى كانت سبباً رئيسياً في ندرة الكفاءات العاملة في الأندية. بسبب استحواذ الرئيس على كل الصلاحيات، فكل العاملين في النادي مجرد أدوات تنفيذ توجيهاته. وهذا الأسلوب في العمل تم طي صفحته للأبد.
فرياضتنا تنطلق نحو المستقبل، ولن تعود للوراء.
زوايا
** لن تعود الأندية إلى زمن تحرير شيكات بلا رصيد، فهذا الزمن ولى بلا عودة!
** لن تعود الأندية إلى زمن استقالة الرئيس وترك ديون بمئات الملايين، فهذا الزمن ولى بلا عودة.!
** الأندية تدخل حالياً مرحلة العمل المنضبط إدارياً ومالياً، ومرحلة الحوكمة الحقيقية، فزمن الفوضى والعبث والإهدار ولى بلا عودة.
** هناك أندية تماشت مع مرحلة التحول، وانسجمت بانسيابية مع الانتقال إلى حالة الانضباط المالي والإداري والامتثال والالتزام، وهناك أندية تعاني من هذا التحول وأصوات بعض مشجعيها تتعالى من ألم الانتقال.
** الأندية التي لم تعتد الامتثال والالتزام بمعايير الحوكمة، وكانت أعمالها الإدارية والمالية تدار منذ سنين بأساليب فوضوية ستجد معاناة في الانتقال لحالة الانضباط والالتزام.