محمد سليمان العنقري
قبل أيام قال وزير الخارجية الصيني إن العلاقات مع أميركا بالغة الأهمية، ولها تأثير على العالم جاء ذلك أثناء لقائه مع مستشار الأمن القومي الامريكي في بكين لإجراء حوار استراتيجي بين الدولتين اللتين تهيمنان على أكثر من 42 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي، واعتبر الوزير أن العلاقة مع واشنطن حيوية، بينما قال جيك سوليفان: إن العلاقة مع الصين مهمة ويجب إدارتها بمسؤولية، وتأتي هذه اللقاءات والتصريحات الإيجابية قبل شهرين تقريباً من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتعد مثل هذه التحركات من قبل واشنطن تهيئة من الديمقراطيين للانتقال بالعلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد عالمي لمرحلة جديدة تنخفض فيها التوترات بينهما إضافة لبناء علاقة تجارية مرضية للطرفين والوصول لصيغة تفاهم تمنع ارتفاع حدة المواجهة بينهم على كافة الأصعدة بما فيها سباق التسلح النووي.
إن هذا التقارب لحل الخلافات بين الدولتين له أهمية كبيرة جداً ويعطي أملاً بعدم العودة للتصعيد بحرب تجارية جديدة حتى لو كانت نتيجة الانتخابات لمصلحة الجمهوريين فمرشحهم ترمب يعد بفرض رسوم إضافية على المنتجات الصينية، لكن بما أن استراتيجيات أميركا بسياستها الخارجية لا تخضع لتغييرات كبيرة عادةً أيا كان الحزب الحاكم فإن التمهيد لمستقبل علاقات أكثر تعاوناً بينهم على أسس استراتيجية قد يغير من وعود ترمب لو فاز بالرئاسة مجدداً فهو سيكون ملزما بأي اتفاقيات مقننة بما لا يسمح بالانسحاب منها، لأن ذلك يفقد أميركا مصداقيتها مع الصين والعالم عموماً، لكن هناك أيضا أسبابت وجيهة أخرى تدفع باتجاه تحسين العلاقة بينهم، ومحور ذلك هو الاقتصاد العالمي فأميركا مهددة بركود اقتصادي، والصين تعاني من تباطؤ بالنمو ومؤشر الإنتاج الصناعي فيها حقق نمواً طفيفاً لا يعبر عن أي تحسن حقيقي فهناك آلاف المصانع الصينية تعاني من خسائر نتيجة انخفاض الطلب محلياً وعالمياً، فالسوق الأميركي هو الأكبر للصادرات الصينية والشركات الأمريكية هي الأكبر استثمارا في الصين، وأي حروب تجارية تعني عودة للتضخم عالمياً، وهو ما سيجعل سياسات واشنطن للجمه تواجه تحديات سيدفع ثمنها الاقتصاد عموماً، والمستهلك خصوصاً الذي يشكل إنفاقه قرابة ثلثي الناتج الإجمالي الأمريكي وهو ما سيضعف نجاح خطط دعم الطبقة المتوسطة التي تقدم الوعود لها المرشحة الديمقراطية هاريس، وكذلك ترمب يضع دعم المواطن اقتصادياً بالتوظيف تحسين الدخل وخفض التضخم في قمة أولوياته.
تفاهم الصين وأميركا على علاقة تحد من الاستفزازات والمواجهات والحروب التجارية بينهم يمثل مطلباً ملحاً في مرحلة مفصلية يمر بها العالم بعد جائحة كورونا وأثارها الكارثية اقتصادياً وصحياً، ووصول أميركا لقناعة أن التفاهم مع الصين هو الحل للاستقرار العالمي الذي تقابله بكين بالحكمة في التعامل مع كل الاستفزازات التي تعرضت لها أومحاولات التأثير على تجارتها الدولية ورفع تكلفة منتجاتها في أسواق أميركا وأوروبا، وذلك عبر دعوتها المستمرة لهم بتبني حوار بناء، ويضاف لأهمية التفاهم بينهم تطور الأوضاع الجيوسياسية في العالم المقلقة جداً، فحرب روسيا أوكرانيا دخلت مرحلة تصعيدية خطيرة ومن مصلحة اميركا والصين واوروبا وقفها فوراً حتى لا تتوسع وتشعل حربا عالمية ثالثة مما سيكون له تداعيات مدمرة على العالم وهو ما قد يكون له دور أيضا بالدفع نحو إذابة الخلافات بينهما لمصلحة دولهم والعالم ولمنع وقوعها.