د. محمد بن صقر
نحن نعيش في وقتنا الراهن في عصر رقمي في كل مناحي حياتنا، فقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أمراً ضرورياً في شتى اروقة احتياجاتنا، وكذلك أصبحت هذه المنصات مصادر لثقافاتنا ومعلومتنا واتجاهاتنا وميولنا وتعليمنا.
ومع ذلك، انتشر بشكل كبير ظاهرة الأخبار الكاذبة أو المزيفة والدعايات المضللة بجميع أنواعها والتي تهدد مصداقية المعلومات المتداولة وتؤثر في رأي الجماهير.
ومن الأمثلة التي شهدها العالم على قوة تأثير الأفكار والدعايات المضللة على أفكار الناس الادعاءات التي انتشرت بشكل واسع بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 من خلال نشر أخبار كاذبة ومضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف التأثير على نتائج الانتخابات لصالح دونالد ترامب.
كذلك تسريب عدد كبير من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، وتم تفسيرها بشكل خاطئ لتشويه صورتها، كذلك انتشرت العديد من الأخبار الكاذبة حول حملة هيلاري كلينتون، مثل ادعاءات بأنها في صحة سيئة أو أنها مرتبطة بجماعات سرية. حتى على الجانب الصحي فقد انتشرت معلومات مضللة حول فعالية وسلامة لقاحات كوفيد، مما أدى إلى تردد البعض في تلقي اللقاح. والترويج لعلاجات بديلة غير مثبتة علميًا لفيروس كورونا، مثل استخدام الكلوروكين أو الهيدروكسي كلوروكين.
إذًا السؤال الجوهري الذي يجب الوقوف امامه في ظل هذا السيل العرم من الانتشار المهيب من المعلومات والدعايات المضللة التي قد تستهدف شخصيات او مؤسسات او حكومات؛ الهدف منها بث الفرقة واختلال في بنية المجتمعات وغرس بذور الفتنة من خلال (التضليل - والتشويه - وصرف الانتباه - والتفريق)، هو كيف يمكننا التمييز بين الأخبار الحقيقية والأخبار المضللة ؟ لأن أهمية التمييز بين الحقيقة والزيف والتضليل أمر بالغ الأهمية ولكنه يعتبر في غاية التحدي، خاصة لأن الجماهير ليس لديها الوقت للتأكد من مصداقية الخبر والتدقيق، فتجدهم يتناولون الاخبار الكاذبة بشكل سريع ويتم تداولها بشكل أسرع دون أن يتبينوا ويتأكدوا من حقيقه الأمر.
وهذه حقيقة يعلمها مهندسو الفوضى وزارعو الفتن، فالخبر الكاذب والمضلل يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية وانعدامها وقد يؤثر على القرارات التي يتخذها الأفراد والمجتمعات، سواء كانت قرارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
كذلك يعمق الانقسامات الاجتماعية والسياسية وتؤدي إلى صراعات.
ويطلق عليه (disinformation) أو التضليل واختلاق القصص الكاذبة، من خلال قنوات وكيانات وشخصيات تدّعي الاستقلالية والحيادية والمظلومية في الطرح، لكنها تدير سياسيات إعلامية موجهة تستخدم لتصدير شعاراتها الكاذبة معتمدة على منصات إعلامية (فنجد أن مهمتهم تشويه الشخصيات والمواقف السياسية، وخلق متناقضات بين السيناريوهات لجعل هذه الفئة من المواطنين متعطشة دائماً للأخبار، ومن ثم يتبع ذلك صنع أخبار ذات مضامين الخوف والرعب وضخ قصص وأخبار كاذبة.
إن من بين الطرق التي يجب العمل عليها من قبل النخبة وأصحاب القرار ومهندسي الحقيقة صناعة وغرس الوعي الحقيقي وذلك من خلال إيضاح أن المجتمع وقياداته مستهدفون بالتشويه والتشهير والزعزعة وبشكل متكرر منذ الماضي وفي وقتنا الحاضر وحتى في المستقبل والشواهد كثيرة، وهذا ما يجب معرفته وتقديمه للمجتمع، كذلك لابد من تقديم الجهات التي تطلق مثل هذه الاخبار المضللة ومن يقف خلفها وكشف أهدافهم ونواياهم وتاريخهم في نشر الاخبار المضللة، وكذلك فضح أساليب المظلومية ومعرفة كيفية التأكد من صحة المعلومات بدون الحاجة للرد على كل نائحة وكل صيحة، فنحن في عالم مليء بالمعلومات المتضاربة، فمن الضروري أن نكون قادرين على التمييز بين الحقيقة والزيف، بصناعة وهندسة وعي مستدام، حيث يمكننا أن نصبح مستهلكين أكثر وعياً للأخبار ى ونساهم في نشر المعلومات الصحيحة.