هناء الحمراني
في حصص الرياضيات لطلاب الصف الأول الثانوي قد تسمع عبارات مثل (هذا لا يصلح لي، سأدخل القسم النظري)، وأما بالنسبة للطلاب الذين دخلوا قسم الطبيعي، فربما مرت عليهم لحظات في حصص الرياضيات تمنوا لو أنهم اتخذوا القرار بالدراسة في القسم النظري.
ومع تطور نظام التعليم واعتماد المسارات الخمسة ما زال لدى الطلاب الذي لا يجيدون أو لا يرغبون في التعامل مع الرياضيات فرصتهم للفرار بالالتحاق بمسار إدارة الأعمال، أو المسار الشرعي.
وبالرغم من محاولات الهروب إلا أنهم يلتقون بالرياضيات في اختبار القدرات العامة للقبول في الجامعة، ويقابلونه في سنوات الدراسة الجامعية وعند الرغبة باستكمال الدراسات العليا أو حتى في إدارة المشاريع، والالتحاق بالوظائف ذات العلاقة بتخصصهم. مهما بدت الرياضيات في نظر الكثير من الأسر والطلاب مجرد طلاسم تجعل من المدرسة تحديًّا، إلا أن دورها كبير في تطوير فكر الإنسان، وتحسين أسلوبه في التعامل مع المشكلات، كما أنها أساسية في مجال العمل، بدءا من إجراء العمليات الحسابية البسيطة، مرورًا بتوظيف الإحصاء للاستفادة من البيانات، وانتهاء بابتكار معادلات معقدة لحل مشكلات وتحديات كبرى في الصحة، والاقتصاد، والتعليم، وغيرها. إن هذا الوزن العظيم للرياضيات يتطلب تدريسها لجميع المسارات، مع مراعاة طبيعة المسار؛ فطلاب إدارة الأعمال يحتاجون الرياضيات التي تساعدهم على قراءة القوائم المالية، والتحليل، والتنبؤ، وطلاب الصحة والحياة بحاجة إلى الرياضيات التي تساعدهم على حساب المقاييس والمقادير اللازمة للعلاج، وقراءة البيانات، واستعمال المعادلات لمعرفة مسار الأمراض، وطلاب علوم الحاسب والهندسة بحاجة إلى الرياضيات التي تمكنهم من بناء الخوارزميات، وإدراك العلاقات بين المتغيرات، وابتكار حلول رياضية لمشكلات واقعية. وإلى جانب ذلك، فجميع طلاب المرحلة الثانوية بحاجة إلى حل المشكلات الرياضية لكي تتطور لديهم مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات، وهم بحاجة إلى دراسة الرياضيات التي تجعلهم ينظرون إليها كتراث ثقافي له قيمته وتقديره.
كل ما ذكرناه سابقًا، هو ما نادت به المنظمات المعنية بالتعليم والاقتصاد كاليونسكو ومنظمة الاقتصاد والتعاون الدولي OECD والبنك الدولي، كما تؤكد عليه المملكة العربية السعودية من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية، وهيئة تقويم التعليم والتدريب، ووزارة التعليم؛ إذ إن إتقان الرياضيات وتوظيفها في سياقات العمل في مراحل التعليم العام يزيد من فرص التحاق الطلاب بالتخصصات القوية، ويزيد من قدرتهم على أن يكونوا مبتكرين في سوق العمل. وإلى جانب الجهود المبذولة في الاستثمار في تعليم الرياضيات لطلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة، فنحن بحاجة إلى أن نكمل هذا الاستثمار في المرحلة الثانوية بإلزام كافة المسارات بتدريس الرياضيات المرتبطة بها.
وهذا يعني بناء مناهج رياضيات مرنة، وتأهيل معلمي رياضيات بتخصصات ثنائية، وتضمين الدمج في برامج تطويرهم المهني، إضافة إلى استقطاب المتخصصين في تدريس هذه المواد من الجامعات لتدريس طلابنا وطالباتنا، وعلى الصعيد الإداري، معالجة نقص الموارد البشرية المتخصصة بزيادة معدلات توظيف متخصصي الرياضيات، وبناء مسارات تطويرية منتهية بشهادات معتمدة ذات علاقة بمسارات التعليم في المرحلة الثانوية.