حسن اليمني
قوة الوطن في شبابه وقوة هذا الشباب في تعليمه، والسياسة التعليمية في بلادنا تسعى وبكل جهد لترقية التعليم وتأهيل الأبناء والبنات، لكننا حتى اليوم مازلنا نستورد العمالة من الخارج حتى وصلت نسبتهم قرابة خمسين بالمائة لعدد المواطنين، ولا زلنا أيضاً نشتكي من البطالة وحشود المتقدمين على الوظائف بالآلاف لوظائف معدودة، ومن بين أسباب التبرير عدم جودة التعليم.
هل تكمن الجودة في التعليم في نوعية المناهج ومضامينها؟ أم في يسر وسهولة إيصال المعلومة واختزانها؟ أم أنها تكمن في توافر وسائل التعليم ابتداء من المدرسة وجاهزيتها إلى المعلم وكفاءته؟ الاحتمالات كثيرة يدعم ذلك كثرة تعديل المناهج وتبدل التجارب دون تحقيق نتائج تحولية ظاهرة ذات نتائج محسوسة تدعم هذا التعديل والتبديل والتجريب.
إذن هناك نقاط خفية لعلها تستوجب الكشف وبسطها للقراءة والتحليل، وإذا كانت وزارة التعليم مشهودا لها جهدها في هذا المضمار فإن العلاقة بين سياسة التعليم وبيئة المجتمع ربما هي من احدى النقاط الخفية التي نحتاج إلى ابرازها وتسليط الضوء عليها وتبادل الرأي والفكر حولها.
يتم تعديل المناهج بشكل مستمر ويتم تكثيف الرقابة والإشراف بشكل مستمر، حتى وصلنا مرحلة تصعيب الدخول للجامعات والمعاهد، واجتهدت سياسة التعليم بتجويد المخارج سعيا لتحقيق الجودة المتوخاة، فظهرت اختبارات التحصيلي واختبارات القدرات وسنة التحضير ثم تمديد فترة الدراسة السنوية لتصل إلى احد عشر شهرا أو أقل قليلاً، وظهرت توصيات المعلمين والمعلمات لأولياء الأمور بتجهيز أبنائهم وبناتهم لفهم المواد الدراسية، وكثرت توجيهات وزارة التعليم بعدم مطالبة الطلبة بالمساهمة المالية في الأنشطة المدرسية التي تزايدت وحتى ارتفعت أسعارها، وكأن التوجيهات تأتي بعكسها أو أنها مجرد نغمة لتلطيف الإيقاع التعليمي.
ما أريد قوله إن البيئة الاجتماعية المتأثرة بالجغرافيا والتاريخ تسير في اتجاه وسياسة التعليم تسير في اتجاه آخر أو هكذا تبدو، فاستيراد التجارب ليس عملا ابداعيا بل تقليد ينم عن ضعف وعجز، وعلى سبيل المثال تمديد الدراسة لثلاثة فصول وبما يوازي 183 يوما وهي في الحسبة تساوي نصف السنة وان أضفنا لها أيام الإجازات ربما نصل إلى ما يتجاوز المائتي، يوم في حين أن دولاً أخرى مثل اليابان تمتد الدراسة إلى 201 يوم وإستراليا 200 يوم وبريطانيا 190 يوما وهكذا، وبالتالي يصبح عدد أيام الدراسة لدينا رقماً متقارباً معها، لكن لو اخذنا التضاريس والمناخ ووسائل النقل وجودة المواصلات ونوعية البيئة الاجتماعية فسنجد أن هناك تباينات كثيرة تحتاج إلى تعويم وقراءة وتحليل، ذلك أن نجاح أي تجربة يستلزم الاستناد على البيئة الاجتماعية الحاضنة وثقافتها بما في ذلك أعراف وتقاليد، فمثلاً طلابنا وطالباتنا لا يذهبون للمدرسة على اقدامهم ولا حتى على دراجاتهم الهوائية، فلا طرقنا وشوارعنا تهتم بالمشاة أو تمنحهم حقهم ولا التقاليد تعطي للأبناء والبنات قيادة الدراجة، ثم إن مواصلات النقل العام غير موجودة وإن وجد النقل المدرسي فإن تبدل السكن المستأجر يُصعب الاستفادة من النقل المدرسي، خاصة حين تكون المسافات خارج محيط المدرسة وهذه نقطة ربما تم حلها من خلال تحويل عملية نقل الطلبة لمنصة نور لحلحلة هذه الإشكالية، على أن هذه جزئية صغيرة ضمن مجموعة عوامل تعيق سهولة التنقل من البيت للمدرسة والعكس، فهناك أيضا الطقس.
الأمر الآخر يكمن في تصعيب وتعقيد وصول خريجي الثانويات للجامعات والمعاهد المهنية، فهناك ساعات تطوع وهناك اختبارات تحصيلي واختبارات تقديري والتي تعتمد في مضمونها على كمية الثروة الثقافية للطالب، دون أن يكون للتثقيف الأساسي غير الممنهج أي وجود في السياسة التعليمية، فالملاحظ أن النشاط المدرسي فقير جداً في تغذية الطلبة ذهنياً وفكرياً وثقافياً ومن النادر أن نرى نشاطاً للمسرح المدرسي والتفاعل الرياضي والتحاور الثقافي والزيارات الأكاديمية، فاليوم الدراسي ممتلئ بالمواد الدراسية وبعدد ست إلى سبع حصص يومية وكل حصة تبلغ 45 دقيقة مع استراحة لدقائق معدودة حتى أن الاستراحة الأكبر لا تساعد الطالب أو الطالبة في انجاز حاجته للفطور وقضاء الحاجة بحكم زيادة العدد عن حجم الاستيعاب برغم تمديد الفصول الدراسية إلى قرابة الاحد عشر شهر، وكل هذا وذاك يخلق في ذهنية الطالب أو الطالبة فاصلا أو فراغا بين الرغبة وبين القدرة، تحسين جودة الحياة المدرسية أمر مهم وله تأثير كبير ولا يقتصر ذلك على تمديد فترة الدراسة أو عدد الحصص اليومية.
أخيراً ماذا نريد من الطالب والطالبة؟
نريد أن يتعرفوا على انفسهم من خلال لغتهم وتاريخهم ودينهم وثقافتهم، هذا ركن أساسي للتعليم، تربية الأخلاق وتهذيبها وبذر منطقية التفكير عوامل تساعد العقل في الاستيعاب لننتقل للدروس العلمية والأدبية والطبيعية، والتركيز على معامل التجريب العلمية بتوفير كافة المستلزمات لخلق الألفة والانسجام، وقد يدخل الجامعة إن وفق بمدرس يحقن عقله بأسئلة وأجوبة القدرات والتحصيلي لكنه مثل الكتاب يعطيك معلومة صحيحة دون فاعلية منتجة، المعلومة لا تكفي لخلق همّة منتجة، هذه الهمّة تخلقها متانة العلاقة بين السياسة التعليمية والبيئة الاجتماعية حين تنتهج رفع القدرة الذاتية مستندة الى عمق وجدانية الطالب جغرافيا وتاريخا وثقافة، واسوأ ما يمكن ان تتعرض له هذه الهمّة حين تستصغر أمام لغة أجنبية.
تعلم اللغات الأجنبية جزء متفرع من التعليم له حاجته وغايته بمعنى أنه اختصاص يمكن دراسته بعد بناء الذات وتغذية وجدانها، وملاحظة أخيرة لو أننا قلصنا عدد الحصص اليومية إلى أربع أو خمس حصص وأفرغنا يوماً في الأسبوع للنشاط الثقافي اللا منهجي بما يساعد في تحفيز العقل والفكر في البحث واستحضار مخازن المعلومة وتبويبها في فكر أو رأي يخلق التنافس بين الطلبة في حرث الفكر لخلق منطق النقد الفكري في العقول لتتجه نحو الابداع وكشف القدرة المختزنة لديهم ثم دعمها وتطويرها.