نجلاء العتيبي
يقول (مارك توين): «التحسين المستمر أفضل من الكمال المؤجَّل».
في عمق النفس الإنسانية، يكمن شغف دائم؛ لتحقيق الكمال في كل جوانب الحياة لا يقتصر فقط على النجاح المهني أو الأكاديمي بل يمتدُّ ليشمل العلاقات، المظهر، وحتى التفاصيل اليومية الصغيرة.
الإنسان يسعى لجعل كل شيء في حياته يتسم بالمثالية معتقدًا أن هذا هو السبيل الوحيد للشعور بالرضا والسعادة.
الوصول إلى الكمال هو مفهوم نسبي، ويعتبر موضوعًا مفتوحًا للنقاش بالنسبة لبعض الأشخاص يمكن أن يكون البحث عنه هدفًا إيجابيًّا يدفعهم لتحقيق أقصى إمكانياتهم.
بالنسبة للآخرين، قد يُؤدِّي هذا السعي إلى التوتُّر والإحباط إذا كان يتسم بالمبالغة، وعدم الواقعية.
هو طموح قد لا يكون من الممكن تحقيقُهُ بشكل كامل، الحياة مليئة بالمتغيرات والتحدِّيات التي تجعل من الصعب الوصول إلى حالة مثالية دائمة، السعي للكمال يمكن أن يكون محفزًا للتطوُّر الشخصي والنمو، ولكن يجب أن يكون متوازنًا بواقعية، ومتقبلًا للفشل.
إذا كان الكمال يعني بذل الجهد الأفضل، والسعي للتحسين المستمر، فإنه يمكن أن يكون مطلبًا مشروعًا، هذا النوع من الكمال يُعزِّز الجودة والإبداع، ويؤدي إلى إنجازات كبيرة، ولكن إذا كان الكمال يتطلَّب معايير غير واقعية أو يتسبَّب في ضغط نفسي مفرط، فإنه يمكن أن يكون ضارًّا بالصحة النفسية والجسدية.
التركيز على السعي للكمال يجب أن يترافق مع فهم أن الأخطاء جزءٌ من العملية التعليمية، وأن الفشل يمكن أن يكون فرصة للنمو، القبول بالنقص البشري والاعتراف بأن كل شخص لديه حدودٌ يمكن أن يساعد في تحقيق توازن صحي بين الطموح والرضا الشخصي.
بالتالي، يمكن القول إن السعي للكمال مطلبٌ إذا كان يساعد على تحقيق نمو شخصي، وتطور دون أن يؤدي إلى التوتر أو الإحباط، المفتاح هو التوازن والمرونة، حيث يكون الكمال هدفًا يُوجِّه الجهود، ولكن ليس عبئًا يثقل كاهل الإنسان.
الحياة بحدِّ ذاتها غير كاملة، وهي مليئة بالتعقيدات والنواقص، التمسُّك بفكرة الكمال المطلق يمكن أن يُؤدي إلى الشعور المستمر بعدم الرضا والإحباط، الكماليون يُعانون من النقد الذاتي القاسي، حيث يرون في كل خطأ أو نقص فشلًا شخصيًّا كبيرًا، هذا الشعور الدائم بالنقصان قد يمنعهم من الاستمتاع بلحظات النجاح والإنجاز.
حتى في أمور الحياة اليومية، البحث عن الكمال قد يُؤدِّي إلى الإرهاق والضغط النفسي، الرغبة في جعل كل جانب من جوانب الحياة مثاليًّا يمكن أن تكون مرهقة، حيث نجد أنفسنا في سباق دائم؛ لتحقيق شيء غير موجود، هذه الحالة من السعي المستمر يمكن أن تُحوِّل حياتنا إلى سلسلة من المهام غير المنتهية؛ ما يمنعنا من الاستمتاع بالحاضر، واللحظات البسيطة.
رغم كل هذه التحديات، يبقى السعي للكمال جزءًا أساسيًّا من طبيعتنا الإنسانية، الأهم هو أن نعرف كيف نوازن بين الطموح والواقعية، يمكننا أن نسعى لتحقيق الأفضل في كل شيء دون أن نفقد القدرة على تقبُّل النواقص، والتعلم منها، الحياة ليست مثالية، وهي مليئة بالتجارب التي تساعدنا على فهمها بشكل أفضل.
السعي للكمال يجب أن يكون دافعًا نافعًا لنا، وليس عبئًا نفسيًّا، فالحياة مليئة بكل الأشياء، والتحدي يكمن في القدرة على العيش بكامل تفاصيلها، دون أن نصبح أسرى لفكرة الكمال المطلق، علينا أن نعيش كل لحظة بكل تفاصيلها، ونتعلَّم أن نحتضن إنسانيَّتنا بكل ما فيها من نواقص وجمالٍ.
ضوء
«التطور الدائم وليس الكمال هو قدر الإنسان». سلفادور دالي.