أ.د.صالح معيض الغامدي
يشكل التقييد العنواني ظاهرة لافتة في كثير من عناوين السير الذاتية السعودية وربما في غيرها من السير الذاتية. والتقييد العنواني هو مصطلح نستعمله هنا ليدل على «ما يضمنه كتّاب السيرة الذاتية في عناوين سيرهم من محددات ومقيدات، سواء أكانت كلمات مفردة أم عبارات» لتحقيق وظائف عديدة سنشير إلى بعضها في هذا المقال. وغالبا ما تأتي هذه التقييدات أو المحددات في العناوين الفرعية للسير الذاتية، وإن لم تكن مقتصرة عليها.
وقد حاولنا تتبع هذه التقييدات العنوانية في بعض السير الذاتية السعودية والنظر فيها وخرجنا ببعض النتائج الأولية (أو ما نعده كذلك) حول الأسباب التي من أجلها وضعت هذه التقييدات التي هي في واقع الأمر مرتبطة بالوظائف التي يمكن أن يكون الكتاب قد توخوها عندما وضعوها؛ وهي على النحو التالي:
1- تحديد أفق توقع القارئ فيما يمكن أن يجد في سيرة ذاتية معينة وما لا يجد فيها، ويمكن التمثيل على هذه الوظيفة بسيرة منصور الخريجي «ما لم تقله الوظيفة: صفحات من حياتي» فالعنوان الفرعي هنا «صفحات من حياتي» وظيفته الحد من توقع القراء في أن يجدوا سيرة مكتملة فيما سيقدمون على قراءته. فالمؤلف يحدد أفق توقع القراء بطريقة استباقية ويشير إلى أن ما سيجده القارئ في سيرته هو مجرد سرد لبعض التجارب الحياتية المنقاة من حياة الكاتب، وهي أشبه ببعض الصفحات التي نطلع عليها في كتاب ما، ويبقى من كتاب الحياة صفحات مطوية لا نعلم نحن القراء عنها شيئا. ويمكن أن نلحق بهذا العنوان الفرعي التقييدي العناوين الفرعية التالية: «غربة المكان: صفحات من السيرة الذاتية» لإبراهيم الحميدان و»بدايات: فصول من السيرة الذاتية» لمحمد القشعمي؛ و»بعض الليالي بعض الأيام: أطراف من قصة حياتي» لعبدالله مناع، مع ملاحظة أن التقييد هنا وقع في العنوانين الرئيس والفرعي.
2- الاعتذار القبلي أو الاستباقي عن أي خلل أو قصور قد يظهر في سيرة الكاتب الذاتية، وهذه الوظيفة تأتي حقيقة وثيقة الصلة بالوظيفة السابقة ومتداخلة جدا معها.
3- تحديد الثيمات الرئيسة للسيرة الذاتية، كما نجد في «في مشلح أبي وجدي: طفولتي الذاكرة الطاغية» لأمل التميمي، و»عشيات الحمى: سيرة طفولة لحمد البليهد»، و»نقاء الطين الأبيض: سيرة ثقافية» لخالد اليوسف، فالعملان الأولان يركزان على ثيمة الطفولة في حياة كاتبيهما، أما العمل الثالث فيركز على ثيمة التكوين الثقافي لحياة كاتبه.
4- إرباك تجنيس العمل السيرذاتي، كما نجد في «الحياة خارج الأقواس: سيرة غير ذاتية للمدعو سعيد» لسعيد السريحي، وفي «سيرة الحب: ذات غيرية» لهند عبدالرزاق. ففي هذين العنوانين الفرعيين محاولة من الكاتبين لإرباك المتلقي أيا كان وإيهامه بأن العمل ليس سيرة ذاتية صريحة، وعلى المتلقي أخذ ذلك في الحسبان عند قراءة العمل. ولا يخفى علينا هنا البعد الإغرائي الذي يحمله هذان العنوانان الفرعيان، فنفيُ الذاتية عن هذين العملين السيريين هو دعوة غير مباشرة لتوكيدها.
5- قد يكون التحديد المكاني أو الزماني من الوظائف التي يريدها كاتب السيرة الذاتية لعنوانه، كما نرى في «أيام العمر: من مكة إلى أدنبرا» لعبد الرحمن بخش، وفي «سيرة ذاتية وثقافية: من السادسة إلى الستين» لسليمان الحماد.
6- الحرص على تبيان طبيعة الأسلوب الموظف في السيرة قد يكون سببا من أسباب توظيف العناوين السيرذاتية التقييدية، كما نجد ذلك في «متطايرة حواسي: شذرات سيرية» لهدى الدغفق، فالشذرات مصطلح يشير إلى طريقة معينة في التأليف تتفادى السرد التدرجي التاريخي لمراحل الحياة لأسباب كثيرة ذكرتها سابقا.
7- تأكيد علائيقية السيرة الذاتية، وهذه وظيفة مهمة للتقييد العنواني في السيرة الذاتية السعودية، رغم ذاتيتها المفترضة، كما نجد ذلك في «سنوات الجوف: ذكريات جيل» لعبدالواحد الحميد، وفي «سيرة الوقت: قصة فرد وحكاية جيل»، ففي هذين العملين هناك رغبة في تأكيد أن حياة كاتبيهما وثيقة الصلة بمجتمعهما، وأن سيرتيهما يمكن أن تمثل حياة المجتمع والجيل الذي عاشا فيه.
8- ولعلنا نختم هذه الوظائف بالإشارة إلى وظيفة الإثارة والتشويق، كما نرى ذلك في «أيام لا ككل الأيام» لعبدالله دحلان، وفي «أشق البرقع… أرى» لهدى الدغفق. فنحن هنا نتساءل كيف تختلف أيام دحلان التي سيسردها عن غيرها من الأيام التي نعرفها، وهل شقُ البرقع (طبعا مجازا) عند الدغفق هو لكي تتمكن من رؤية الآخرين، أم ليتمكن الآخرون من رؤيتها من خلال قراءة سيرتها؟!