علي حسين (السعلي)
عندما أقرأ نصا شعريا أتعجب كثيرا من صوره وتراكيبه وتشبيهاته، وأقول بيني وبين نفسي: هل كاتب النص صادق فيما ذهب إليه، بمعنى سيفعل ما يقوله حقيقة ؟ دعونا نأخذ قصيدة جاسم الصحيح في فلسفة الحب :
سنطوف من جزرِ الخيال عوالما
شتى وندخل في الرؤى خلجانا
ونخوض سرب معاركٍ سلميةٍ
وتخوضنا لانعرف العدوانا
طوبى لمن حمل السلاح أغانيا
ورمى بوجه خصومه ألحانا
الحب يرفعنا إلى إحساسهِ
ويتمُّ من إحساسنا، النقصانا
هذا الهواء يَهبّ لا عن فتنةٍ
وإذا نُحبُّ نُحسُّهُ فتَّانا
وإذا نُحبّ نُحسّ كلّ صبابةٍ
عيدًا، وكلّ متيّمٍ قُربانا
وإذا نحبُّ نحسّ كلّ كتابةٍ
وحيًا، وكلّ صحيفةٍ (قرآنا)
وإذا نحبّ فكلُّ (قيسٍ) (قيسُنا)
وجميعُ (ليْلات) الهوى (ليلانا )
انظروا لهذه الكلمات الخارقة وكأن الشاعر أصبح منجّما :
- سنطوف ، نخوض ، كل صحيفة قرآنا
اعرف أن الخيال له دور في ذلك وليس الشاعر يدعي فعله لكنه يبهرنا بجمال صوره وتراكيبه ويبقى السؤال المهم هنا: هل الكاتب شعرا سيفعل ما يقوله أم مجرد خيال ؟
النص السابق في فلسفة الحب دعاني لنفس العنوان للبردوني فلسفة الجراح حيث قال :
متألم. مما أنا متألم؟
حار السؤال وأطرق المستفهم
ماذا أحس؟ وآه حزني بعضه
يشكو فأعرفه وبعض مبهم
بي ما علمت من الأسى الدامي
وبي من حرقة الأعماق ما لا أعلم
بي من جراح الروح ما أدري وبي
أضعاف ما أدري وما أتوهم
وكأن روحي شعلة مجنونة
تطغى فتضرمني بما تتضرم
وكأن قلبي في الضلوع جنازة
أمشي بها وحدي وكلي مأتم
أبكي فتبتسم الجراح من البكا
فكأنها في كل جارحة فم
انظروا لهذا الجمال في الشاعر العظيم من خلال هذه الكلمات : كأن روحي شعلة، في الضلوع جنازة، أمشي به، أبكي فتبتسم الجراح …
نقرأ مقتطفات من هذين الشاعرين باختلاف الزمان والمكان وتبقى قوة العبارة وجمال الصورة وبراعة التشبيه والأعجب نصفق حين نقرأ هذا التألق ونصرخ ونقول : الله الله !!
فهل الجراح تبتسم أعرف أنه كناية استعارة هذا حسن وجميل لكن هل يفعل الشاعر ما يقوله أم كما قال أحمد شوقي « الشعر استنطاق الجوامد « المعنى والسؤال والمقال مجرد سؤال فلسفي اطرحه بين حضراتكم وليس بالضرورة يكون مقنعا وتبقى آية مهمة تجيب عن كل هذه التساؤلات :
«.. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ..» [سورة الشعراء: 226]
المشكلة الحقيقة نحن نعلم كمتابعين أنه قول الشعراء بلا فعل ! بل قد اذهب لأكبر من ذلك بقول :
كذب ( الشعراء ) وإن صدقوا وأنا شخصيا أميل لهذا من باب أن الشعر معجزة يخلق الحرف روحا بجمال صوره، منجما كالساحر الذي يحوّل الجوامد إلى حياة شعرا وأخيرا قد قيل أكذب الشعر أصدقه
هذا على حدّ حلمي .. هيا في أمان الله !
سطر وفاصلة
صدقتُ حين أقول أحبكِ
ومن وريد قلبي يودّه
كذبت وصدق خيال حرفي
فحبال كذبي مع الصدق يشدّه
بين الصدقين كذبةٌ
وفي الفؤاد من الغرام يعدّه
كذب الشعراء ولو صدقوا
كعروسٍ عطرها مسكٌ وندّه