خالد محمد الدوس
لا يُذكر علم الاجتماع السعودي وما أصابه من الكثير من الغموض واللبس وسوء الفهم والجدل قبل ما ينيف عن أربعة عقود من الزمن في مجتمعنا الفتي, إلا ويذكر عالم الاجتماع والمفكر الفذ أ. د. إبراهيم بن مبارك الجوير الذي جاء من أقصى «مدينة الفكر والتنوير» مبتكراً مساراً جديد بأبحاثه الغنية في علم الاجتماع ومفاهيمه, فبدأ بفلسفته التي تتضمن تأكيداً أن هناك حقائق في الإسلام نص عليها القرآن الكريم وجاءت في السنة النبوية تلك الحقائق قد سبقت افتراضات ومقولات بعض النظريات الغربية.
وقد نجح عالمنا الاجتماعي المستنير (د. الجوير) في كسب هذه الجولة العلمية, وفي توضيح أن العناصر المختلفة لنظريات علم الاجتماع وتراثه الأصيل, قد انطلقت من هذه الفكرة الرئيسة. فعلى سبيل المثال النظرية البنائية الوظيفية التي تقوم على (التوازن) سبقها القرآن الكريم في آيات فضل التوازن أو الوسطية في حياة الإنسان وهو السالم من الإفراط والتفريط والشطحات والمبالغة.. وهو بالطبع سر عظمة هذا الكون وجماله .. وهو سمة من سماته.. وهكذا أثبت رائد علم الاجتماع السعودي (د. إبراهيم الجوير) بفلسفته الاجتماعية وسعة ثقافته ومخزونه المعرفي.. أنه مدرسة لعلم الاجتماع والفكر والثقافة والأدب.
ولد المفكر الاجتماعي (د. الجوير) في محافظة الخرج ونشأ في العاصمة الرياض في حقبة السبعينيات الهجرية من القرن الفائت، ونال شهادة البكالوريوس في كلية اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1973م، ثم عُيِّن معيداً في قسم الاجتماع بجامعة الإمام عام 1975م، فابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير في ولاية أنديانا في علم الاجتماع عام 1979م وحصل على درجتها بتفوق، لتتسع دائرة طموحاته العالية وأفقه الواسع فنال أيضاً شهادة الدكتوراه من جامعة فلوريدا في علم الاجتماع عام 1984م، وبعد عودته مسلحاً بالعلم والمعرفة من أعرق الجامعات الأمريكية عُيِّن رئيساً لقسم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان أول رئيس سعودي لقسم الاجتماع. وبعد تجربة رائدة في تنظيم وإدارة قسم الاجتماع بالجامعة العريقة.. أُعيرت خدماته إلى المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، وذلك لمدة عام وتحديدًا في 1-9-1406هـ إلى 30-8-1407هـ، وعمل مساعداً لرئيس المركز.. ثم عاد مهرولاً إلى الجامعة الرائدة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لينهل طلابه من معينه السوسيولوجي الصافي، وفي عام 1988م صدر قرار مجلس الجامعة بالمصادقة على توصية المجلس العلمي بترقيته إلى أستاذ مشارك.. ولعطائه العلمي وإنتاجه البحثي الرصين صدر قرار مجلس الجامعة بالمصادقة على توصية المجلس العلمي بترقيته إلى الدرجة (الأستاذية) وهي أعلى درجة علمية وظيفية في الجامعة، ويعتبر ثاني أستاذ سعودي في علم الاجتماع.
عمل عضواً فاعلاً في عدد من اللجان، وحضر عدداً من المؤتمرات والندوات في الجامعة وخارجها، وشارك في عضوية المجلس العلمي لدورة كاملة وعضوية اللجنة التعليمية في المجلس العلمي، وعضوية الأمانة العامة للمؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبدالعزيز، وعضو هيئة تحرير مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وشارك عضوًا فاعلاً مع فريق التقويم الشامل للتعليم في المملكة العربية السعودية، وعضوًا في هيئة تحرير مجلة الأمن التي كانت تصدر في وزارة الداخلية بصفته مستشاراً غير متفرغ، وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، وعضو جمعية الاجتماع الأمريكية، وعضو اللجنة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، وعضوًا في المجلس العلمي للمعهد العلمي للعلوم الأمنية لفترات. كما عُيِّن مستشاراً لمعالي وزير التعليم العالي ضمن الهيئة الاستشارية لمعاليه. كما اتجهت بوصلة عضويته للعمل مستشارًا اجتماعيًا لعدد من وسائل الإعلام المختلفة، كما كتب الدكتور الجوير زاوية بعنوان (يوميات)، ثم (إشراقه) في صحيفة الجزيرة موظفًا خبرته العلمية والمهنية وأفقه الثقافي الاجتماعي الواسع في تناول قضايا مجتمعية هادفة تهم الوطن والمواطن، كما أشرف على عدد من الرسائل العلمية وناقش عدداً آخر في جامعة الإمام، وغيرها من الجامعات، كما حّكم كثيرًا من أبحاث الترقية والنشر في داخل المملكة وخارجها ويعتبر محكمًا معتمدًا لعدد من المجلات والمجالس العلمية.
كما حاضر - رائد علم الاجتماع في المملكة - عن المجتمع السعودي (دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا) في عدد من الجامعات والمراكز العلمية والإعلامية في الخارج، وشارك محاضرًا في الأيام الثقافية للجامعات السعودية في رحاب الجامعات السورية عام 1417هـ، والأيام الثقافية في رحاب جامعات الإمارات العربية المتحدة عام 1421هـ، ليتوج حضوره العلمي البهي بنيله العديد من الدروع والشهادات التقديرية من المؤسسات الأكاديمية والتعليمية الوطنية من أصحاب السمو الأمراء وأصحاب المعالي وكبار المسؤولين بالمملكة العربية السعودية.
وعندما تتجه بوصلة إنتاجه البحثي، فقد كان للسنوات الطويلة التي قضاها الخبير الاجتماعي (الجوير) في رحاب الصروح الأكاديمية إنتاج غزير من الأبحاث والتأليف والأطروحات الرصينة التي أثرت مكتبة علم الاجتماع العربية وتراثها الأصيل.
وتتويجاً لمسيرته العلمية والبحثية والتعليمية الرصينة.. جاء القرار الملكي الكريم في تاريخ 3-3-1430هـ باختياره عضواً في مجلس الشورى في دورته الخامسة ولمدة أربع أعوام.. وما زالت علاقته بطلاب وطالبات علم الاجتماع حاضرة وراسخة في جامعة الامام الرائدة.. مواصلاً عطاءه وحبه للعلم في الدراسات العليا على وجه التحديد.