رمضان جريدي العنزي
التواضع عكس الاستعلاء والغرور والتكبر، التي هي أمراض نفسية وجهل، ووجوه من وجوه الظلام، وأفضل درجات التواضع هو ما لا يكاد يظهر للغير، والتواضع هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته، والتواضع خلق من الأخلاق الحميدة، وفضيلة من أعلى الفضائل، وسلوك من سلوك الكرام، ووجه من وجوه الوئام، والتواضع يدل على طهارة النفس، وبياض القلب، ورقي الروح، فطوبى لمن تواضع ونال محبة الناس وعمل بها، والخسران المبين، والعاقبة السيئة، لمن استعلى وتكبر، وعاش النرجسية وحب الذات وتقوقع بها، إن المتواضعين شموس ساطعة، ونجوم باهرة، وأقمار مضيئة، تضحياتهم جسام واضحة، وسيرهم حافلة بروائع المواقف والأفعال والأعمال، قال الشاعر:
تَواضَع تَكن كالنَجم لاحَ لناظرِ
عَلى صَفحات المَاء وهوَ رفيعُ
ولا تَكنْ كالدّخان يرفعُ نفسَه
إلى طَبقات وهوَ وَضيعُ
إن الأعجاب الشديد بالنفس، والإطناب في تعداد مناقبها وسماتها وصفاتها أمر لا ينسجم مع الفطرة السوية، والموازين الأخلاقية، أن المسكون بحب الذات، والمتبجح بها، بعيد عن التواضع.
قال الشاعر:
تعد ذنوبي عند قومي كثيرةً
ولا ذَنَبَ لي الاّ العُلى والفضائِلُ
أرأيتم كيف نسب هذا الشاعر إلى نفسه العُلى والفضائل، وإن كان صحيحا ما نسب من غير المستحسن التشدق بهذا، إن التشدق والتبجح من العيوب، ونكران الذات من أنبل الصفات وأعلاها، لقد ابتلينا بكثير من أصحاب الادعاءات العريضة، والإنجازات الباهرة، مع أنهم في حقيقة الأمر بعيدون كل البعد الادعاءات والإنجازات والأفعال على أرض الواقع، وهنا تكمن المفارقة والمصيبة، إن من يستعلي عليك اليوم ويتكبر قد يحتاجك في الغد، وعندها يأتيك مطأطئ الرأس نادما خجلانا، إن التواضع صفة المؤمنين الذين يريدون الفوز في الدنيا والآخرة، والتكبر صفة المنافقين يغشاهم الذل في الدنيا والآخرة.