د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لم تدخر السعودية وسعا منذ انطلاق رؤية المملكة 2030 في تعزيز الاقتصاد الرقمي، بل أولته أهمية بالغة، ووضعت له أسسا قوية ليسهم في ترسيخ جودة الخدمات من أجل ترسيخ مكانة السعودية عالميا، والتي تنعكس على تقدمها وريادتها في مؤشرات التنافسية العالمية.
يعتبر برنامج تطوير القطاع المالي أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، وقد أطلقت خطة تنفيذية استراتيجية قبل أكثر من عامين لتسهيل ممارسة الأعمال، ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني الذي يحتاج إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة ومحلية، وبلغ عدد شركات التقنية المالية 168 شركة في الربع الأول من 2024، فيما وصل عددها نهاية الربع الثاني 2024 نحو 224 شركة، متجاوزة مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي للربع ذاته والمقدرة ب168 شركة، فيما تستهدف زيادة عدد شركات التقنية إلى 525 بحلول 2030، مما يسهم بشكل مباشر بنحو 13 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 18 ألف فرصة عمل، وتمهد هذه المبادرات الاستشرافية والاستراتيجيات الشاملة لنمو كبير في السوق.
من أجل تعزيز رؤية برنامج تطوير القطاع المالي عقدت السعودية مؤتمر التقنية المالية (فنتك 24 ) في 5 سبتمبر 2024 بهدف جمع صناع القرار والمستثمرين وخبراء التقنية ورواد الأعمال والأكاديميين لبحث سبل التعاون واستكشاف الفرص وتبادل الخبرات، ليس هذا فحسب بل هي تود إلى تحويل السعودية إلى وجهة للابتكار في مجال التقنية المالية وإيجاد منظومة مزدهرة ومسؤولة، مما يسهم في تحقيق مساعي السعودية لأن تصبح موطنا ومركزا عالميا للتقنية المالية.
توفر التكنولوجيا المالية خدمات جديدة لإدارة المال، مما يحسن التخطيط المالي للشركات الناشئة، ويؤدي إلى تنمية أفضل للأعمال وإلى خفض معدلات الإخفاق، لأنها تقدم حلا ناجعا في التأخير في المدفوعات، وتوفير سبل دفع أسرع وأرخص، كما تزيد التكنولوجيا المالية من عدد العملاء المحتملين من خلال أشكال جديدة من المدفوعات، خصوصا مع تنامي هذا القطاع الحيوي عالميا، حيث يتوقع أن تتجاوز إيراداته عالميا في 2030 نحو 1.5 تريليون دولار.
فقطاع التقنية المالية يشهد تحولا كبيرا حول العالم في ظل التطور التقني المتسارع والتقدم المستمر لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأهمية النمو المتسارع تتعاظم فيه، وذلك بتعزيز ثقافة الابتكار، وتحسين البيئة التنظيمية والتشريعية وتطوير البنية التحتية الرقمية، واستقطاب الكفاءات المتميزة وتنمية مهاراتهم لجذب الاستثمارات، بجانب بناء شراكات عالمية فاعلة.
تمتلك السعودية بنية تحتية شاملة ومتطورة للمدفوعات، حيث بلغت حصة المدفوعات الالكترونية بقطاع التجزئة 70 في المائة من إجمالي عمليات الدفع في السعودية، خلال عام 2023 مقارنة ب62 في المائة في 2022 لتحقيق مستهدف برنامج تطوير القطاع المالي لعام 2025 للوصول إلى 80 في المائة بحلول 2030، جعل السعودية تتقدم في مؤشرات دولية، إذ حصلت على المركز الأول عالميا في مؤشر الأمن السيبراني، والثانية عالميا في مؤشر تطوير وتطبيق التقنية ومؤشر التحول الرقمي للشركات، كما حققت السعودية المرتبة الـ16 عالميا في مؤشر التنافسية العالمي، وفقا لتقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2024، وتطمح السعودية لتكون في المرتبة الخامسة عالميا لتطوير الحكومة الإلكترونية عام 2030، وفي القطاع اللوجستي الصادر عن البنك الدولي حققت المركز الـ17 والثامن في تصنيف LLOYDS العالمي.
وبلغت مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي 45 في المائة من مرتفعة من 40 في المائة منذ إطلاق الرؤية في 2016، وتهدف لرفع مساهمة القطاع الخاص في 2030 نحو 65 في المائة، ونجحت في زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 28 في المائة مرتفعة من 20 في المائة عام 2016، بينما المستهدف 35 في المائة في 2030، ونما الناتج المحلي من 2.5 تريليون ريال في 2016 إلى أكثر من 4.1 تريليون ريال، بنمو بلغ 65 في المائة، وارتفعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1889 مليار ريال، من 1500 مليار عام 2016، ووفق التقرير السنوي لعام 2023 يظهر أن 87 في المائة من المبادرات البالغة 1064 مكتملة أو تسير على المسار الصحيح، في حين قدرت مؤشرات الأداء الرئيسية لعام 2023 ب243 مؤشرا حقق 81 في المائة.
**
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى