أ.د.عثمان بن صالح العامر
في أعقاب أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م، وفي إطار ما أطلق عليه (عالمية المواجهة) في الحرب ضد الإرهاب، بدأ التركيز على المملكة العربية السعودية في هجمة إعلامية غير مسبوقة، إذ استغلت القوى المعادية من الصهاينة وجماعات الضغط المؤيدة لهم انتماء عدد من المتهمين بالقيام بهذه الأحداث المنتمين لفكر القاعدة الإرهابية المتطرف إلى الجنسية السعودية، فراحوا يتهمون المملكة بأنها سبب فقدان الاستقرار في المنطقة، واتهموها كذلك بأنها هي التي تمول التطرف الديني ابتداءً من ولاية ميشجان إلى مقاطعة مينداناد، فهم - حسب قولهم الكاذب - الذين يبذلون ما في وسعيهم لهدم الدول، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وحرمان الشعوب الإسلامية وغيرها من الحريات الدينية - على حد تعبيرهم -.
وقد تطورت هذه الحملة الشرسة وفق مراحل خمس - كما جاء في التقارير والدراسات التي رصدت معالم هذه الحملة وانعكاساتها في الصحف الأمريكية - إذ بدأت بالصدمة في المرحلة الأولى، ثم بالبحث عن الفاعلين والتركيز على أسامة بن لادن والقاعدة وربطهم بالإسلام، ثم الحديث عن انتماء ابن لادن للمملكة العربية السعودية، وفي المرحلة الثالثة كان التساؤل عن دور العرب والمسلمين، ثم في المرحلة الرابعة كان التخطيط للمواجهة، وكانت التغطية الإعلامية في هذه المرحلة مركزة على الشخصيات المتهمة وانتماءاتها العرقية (العربية) والدينية (الإسلامية) والإقليمية (السعودية)، ثم كانت الهجمة على العالم الإسلامي حيث يوصف بأنه كان خلف الكارثة التي ألمت بالأمريكيين، وكان التركيز على الربط بين أحداث سبتمبر وفلسطين. وفي مرحلة تالية وأخيرة استمرت طوال العشرين سنة الماضية كان التركيز على السعودية.
وقد تجاهل الذين كانوا يُدبّجون المقالات عن الإرهاب الإسلامي الحقائق الثابتة التالية:
- السعودية أول من حارب الإرهاب، بعد أن كانت المملكة هي الهدف الأول له، واستطاعت بفضل الله أولاً ثم بسياسة قادتها، وإمكانات أجهزتها الأمنية، وتكاتف شعبها ووقوفه صفاً واحداً خلف ولاة أمره، على السيطرة تماماً على الموقف وقمع أيدي الإرهابيين وتتبع ذيولهم وكشف خلاياهم النائمة والقضاء عليها في أوكارها بكل شجاعة وبسالة وإصرار.
- إن أسامة بن لادن خارج على الدولة، تارك المنهج الإسلامي السلفي الوسطي الصحيح، ومطلوب للمثول أمام القضاء فيها، وأنها تدين جميع تصرفاته، بل تسعى إلى إلقاء القبض عليه، وأن الغرب هو الذي حمى المارقين على النظام واحتضنهم، ومن أجل هذا كانت الأزمة مع بريطانيا وغيرها، فالغرب هو الذي منح الإرهابيين إقامات شرعية ووفر لهم إمكانات لا محدودة وحرّية تكاد تكون مطلقة.
- إن الثورة الإيرانية التي يدعي الغرب أنه يخشاها ويقرن خوفه منها بالمملكة العربية السعودية لم تكن تنطلق من الوسطية الصحيحة التي تنتمي لها المملكة العربية السعودية ولذا لم يكن هذا الخوف مبرراً.
أذكر أنه بمناسبة مرور عشرين سنة على هذا الحدث المفصلي الذي هز العالم وما زال، هددت الولايات المتحدة الأمريكية بالإفراج عن وثائق سرية تتعلق بهجمات 11 سبتمبر 2001م، وكان الموقف السعودي من هذه الورقة التي بدت وكأنها ورقة ضغط وتهديد موقف الترحيب، مما يعكس سياسة الوضوح والشفافية التي تتمتع بها المملكة في جميع مواقفها المعلنة من الإرهاب عموماً أياً كان وجهه ومن هذه الهجمات على وجه الخصوص، مشدداً البيان في ذات الوقت من أن مزاعم تورط السعودية في هذه الهجمات أمر زائف تماماً وعارٍ من الصحة، ولا يمكن تصديقه أو الاقتناع به من قبل عقلاء العالم أجمع، وهذا هو الموقف الرسمي والمعلن الذي تنهجه بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية مع كل ورقة خريف يدعي أعداء الوطن أنها ستكون ضاغطة ومحرجة لقيادتنا الحكيمة العازمة الحازمة، حفظ الله بلادنا، وأدام قادتنا، ونصر جندنا، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.