عبدالله إبراهيم الكعيد
لنبدأ بالتكيّف الذي قد عرّفه أهل علم النفس بأنه عملية دينامية مستمرة، يهدف بها الفرد إلى أن يغير سلوكه ليحدث علاقة أكثر توافقا وتوازنا مع البيئة أو الظروف المحيطة. إذا اللا تكيّف يعني عكس ذلك أي إخفاق ذلك الفرد في تغيير سلوكه، وعدم قدرته على التلاؤم مع البيئة الجديدة عليه.
قد يكون في انتقال الفرد من وطن ولد وعاش فيه الى وطن آخر لأي سبب كان هو المثال الأقرب الذي يمكن الحديث فيه وعنه، فأي مبتعث للدراسة في بلدان مختلفة جذريا عمّا ألفه وتعود عليه من أنماط معيشية وسلوكية وجد نفسه أمام تحد صعب، فإما التكيف والاستمرار ومواصلة المهمة حتى تحقيق الهدف أو عدم القدرة على التكيف والانسحاب ثم العودة للوطن.
من معززات تكيف أولئك الذين قبلوا التحدي وقبلوا الاندماج في البيئة الجديدة هو الاقتراب من الأقران والزملاء من نفس البيئة الأصل لتكوين مجتمع صغير يدعم التكيف ويخفف الشعور بالغربة.
وحتى داخل الوطن الواحد قد ينتقل أحدهم من منطقته المختلفة جغرافياً عن المكان الجديد، كأن يكون الطقس الذي اعتاد عليه بارداً طوال أيام السنة وينتقل إلى منطقة طقسها حار جداً، فيواجه ذلك الاختلاف بالتكيف والتأقلم، أو قد يكون المكان الأصل ساحليا رطبا فينتقل إلى منطقة جافة ليجد نفسه أمام متغيّر غير متوقع ولا بد حينها من التكيف.
من زاوية أُخرى قد ينقلب حال فرد أو أسرة من الثراء والوفرة إلى الفقر والحاجة، ويحدث هذا غالباً إذا استثنينا القوة القاهرة لأولئك الذين يخوضون المغامرات المالية غير محسوبة العواقب فيقع في مستنقع الديون والقروض، ويجد نفسه بين عشيّة وضحاها قد انتقل من طبقة الأغنياء إلى طبقة الفقراء المحتاجين. صدمة كبيرة أليس كذلك؟
هنا لا مناص من التكيّف مع الوضع الجديد ومصارحة النفس للقبول والتعايش مع الفقر والحاجة.
في الكتاب الصغير حجماً الكبير في دلالاته «من الذي حرّك قطعة الجبن الخاصة بي» للأديب الأمريكي سبنسر جونسون والذي لقيَ (أي الكتاب) رواجاً هائلاً وطُبعت منه ملايين النُسخ بعد ترجمته إلى مختلف اللغات.
يقول أحد شخوص الحكاية بعد أن فقد الجميع الجبن الذي اعتادوا الحصول عليه (في بعض الأحيان تتغير الأشياء، ولا تعود لطبيعتها أبداً، ويبدو أننا نمرّ بشيء مشابه، هذه هي الحياة، فالحياة تسير ولا بد أن نسير نحن أيضاً).
بمعنى لابد أولاً من التكيّف مع الوضع الجديد وثانياً عدم اليأس والبكاء على اللبن المسكوب، بل في السعي نحو الوقوف من جديد بعد كل كبوة. كل التجارب التي يمر فيها الفرد يتعلم منها فيزداد صلابة وقوة وتصميما.
اللا تكيف يعني الفشل والضعف والانكفاء ولا أظن بقبول مثل هذا من أي عاقل حصيف.