فضل بن سعد البوعينين
أشاد صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي في ختام مشاورات المادة الرابعة بالإصلاحات الاقتصادية، وأعلن أن المملكة حققت «تقدما هائلا» فيما تشهده من تحول اقتصادي غير مسبوق، حيث نجحت في دفع جهود التحديث والتنويع في إطار رؤية 2030، متوقعا نمو قطاعها غير النفطي بواقع 4.4 % على المدى المتوسط.
رؤية إيجابية للإقتصاد السعودي، وإشادة مستحقة بالإصلاحات الاقتصادية ونتائجها التي ساهمت بنموٍ متسارع للاقتصاد، والقطاعات غير النفطية على وجه الخصوص، مع احتواء التضخم، وخفض معدل البطالة إلى مستوى تاريخي.
كان لافتا استخدام صندوق النقد في تقريره تعبير «التقدم الهائل» و»التحول الإقتصادي غير المسبوق» لوصف ما يجري في الاقتصاد السعودي، وهي لغة لم نعتدها منه. شهدت نظرة الصندوق للإصلاحات الاقتصادية السعودية تحولا جذريا، حيث حلَّت الإشادة مكان التحفظ، وأصبح التفاؤل بديلا لعبارات التشاؤم والسلبية. تغير قناعات الصندوق جاءت كنتيجة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية الإيجابية، التي لم يكن للصندوق يدا فيها، بل كانت من مستهدفات رؤية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ونفذتها الحكومة بكفاءة.
ساهمت رؤية 2030 وبرامجها النوعية في تحقيق النتائج الإيجابية للإقتصاد، حيث سجل مؤشر البطالة إنخفاضا من مستوياته العليا ليصل إلى 7.6 % ، وهو الأدنى تاريخيا، وأرتفعت مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 35 % متجاوزاً المستهدفات. كما أرتفعت نسبة تملك المواطنين للمساكن لتصل إلى 64 % مطلع العام 2024 ، ما يعني نجاح الحكومة في معالجة ملفي البطالة والإسكان، في فترة زمنية قصيرة نسبيا. وأرتفعت أصول صندوق الإستثمارات العامة لتصل إلى 925 مليار دولار. وفي قطاع السياحة تم تحقيق مستهدفات الرؤية بتسجيل المملكة لـ 109 ملايين سائح دولي ومحلي، إضافة إلى تنفيذ مشروعات سياحية كبرى، وتحسين بيئة الإستثمار في القطاع، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
بيانات إيجابية، عززتها مؤشرات الهيئة العامة للإحصاء، التي أكدت في بيانات الربع الثاني من عام 2024م، نمو الأنشطة غير النفطية، بنسبة 4.9%، ما يؤكد مضي الحكومة في برامجها الاقتصادية الهادفة لتنويع مصادر الاقتصاد، ورفع مساهمة القطاع غير النفطي فيه، وتعزيز دور القطاع الخاص وتنمية الصادرات السعودية.
تباطؤ معدل التضخم الكلي كان من المؤشرات الإيجابية في التقرير، فبعد أن بلغ التضخم ذروته مسجلا 3,4% في يناير 2023، تراجع على أساس سنوي مقارن إلى 1,6% في مايو 2024، مدعوما بارتفاع سعر الصرف الفعلي الاسمي. وضع القيادة لسقف أعلى لأسعار البنزين محليا، ساهم أيضا في الحد من موجات التضخم التي ضربت العالم، وهو ما يفترض أن يتنبه له صندوق النقد حين تقديم توصياته للمملكة، ومنها توصية الإلغاء التدريجي للدعم المتبقي على الوقود تعزيزا للإيرادات الحكومية. تعزيز الإيرادات الحكومية من الأهداف الرئيسة والمهمة، غير أنها تخضع لدراسات معمقة لكشف تأثيرها على المجتمع وقطاعات الاقتصاد وتكلفة المعيشة، حيث تتسبب القرارات المالية بانعكاسات مباشرة على البرامج التنموية وخطط التحفيز، ومتى ارتبط ذلك بتسعير الوقود فمن المتوقع أن يطال تأثيره جميع مناحي الحياة وقطاعات الاقتصاد.
من المهم بلوغ الإصلاحات قمتها، وتحقيق هدف التنوع الاقتصادي، والتحول إلى الإنتاجية ورفع حجم الصادرات غير النفطية والوصول بها إلى مستهدفات الرؤية، ومعالجة التحديات بأنواعها، واستكمال برامج التنمية المجتمعية الشاملة قبل التفكير في تعويم أسعار الوقود. قد تتطلب بعض منتجات الوقود مراجعة دورية، إلا أن من المهم التوسع في إجراء دراسات مجتمعية للقرارات المالية وإنعكاساتها على الاقتصاد والمجتمع، وأحسب أنها ديدن القيادة في تعاملها مع كل ما يؤثر في معيشة المواطنين.
تأييد صندوق النقد «إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري» يؤكد أهمية قرار إعادة ترتيب المشروعات حسب أولويتها، الذي إعتمدته الحكومة، وبما يتوافق مع الحاجة الآنية، ويسهم في سرعة الإنجاز وتحول المشروعات الجديدة من مرحلة الإنفاق الرأس مالي إلى مرحلة تحقيق العوائد المالية وتعزيز الاقتصاد، وخلق الوظائف والفرص الإستثمارية الصغيرة والمتوسطة.
التزام الحكومة بتنفيذ برامجها التنموية ومشروعاتها المختلفة لا يتعارض البتة مع إعادة جدولتها، وفق الأهمية والأولوية، وتحقيق المواءمة الدقيقة بين الإلتزامات المالية والإيرادات الحكومية. حيث تلعب التدفقات النقدية، والتحديات الاقتصادية والمالية العالمية، والجيوسياسية، دورا مهما في صناعة القرار الإستثماري، وتقديم الأهم على المهم، وتأجيل مراحل من المشروعات الكبرى في مقابل تسريع إنجاز المشروعات الإستراتيجية التي يمكن أن تتحول عند إنجازها كمحركات للنمو، وأدوات معالجة لبعض التحديات، ومن محفزات الاقتصاد.