فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)
صدق الله العظيم
كان عام 2001م بداية رحلتي مع الجمل حين كنا في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بمناسبة حفل تدشين كتاب «فروسية» وافتتاح المعرض الفروسي المصاحب له، الذي جمع عدداً كبيراً من المهتمين والمختصين في مجال علوم التاريخ والثقافة والفنون التي شرفتنا بحضورها من داخل المملكة ومن خارجها.
وكان حسب علمي أول تجمعٍ في المملكة حضره رؤساء أرقى متاحف العالم، كمتحف الارميتاج، والمتحف البريطاني، واللوفر، والمتروبوليتان ومتحف فكتوريا وألبرت، إضافة إلى المتحف النمساوي والألماني، ومتاحفنا العربية. كان تجمعاً يرتقي إلى مكانة المملكة وتاريخها الفروسي العريق، ودور ذلك المخلوق النبيل في مسيرة الحضارات وتأثيره على الثقافات المتنوعة، وارتباطه بتاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
في تلك الليلة أُشعل فتيل مشروع إصدار علمي حين تحدث عضو اللجنة الأكاديمية البروفيسور الفاضل الدكتور عبد الرحمن الأنصاري أبو الآثار السعودية - رحمه لله وأحسن مثواه- قائلاً في تقديم حديثه: بما أننا نحتفي اليوم بهذا العمل الموسوعي» فروسية»، أرجو منك أن تهتم بسفينة صحرائنا، وأن تقوموا بعمل موسوعي يرتقي إلى مكانة الجمل في تاريخنا وحضارتنا الإسلامية والعربية.
مرت الأيام، ومنذ ما يقارب السبع سنوات حين تعرض الدكتور الأنصاري لعارض صحي زرته وهو يعاني من المرض، وبينما كنت أهم لتوديعه أمسك بيدي ورفع سبابته وبصوت خافت قال لي: فيصل لا تنسَ الجمل. خرجت من غرفته -رحمه لله- وفي صدري غصّة، وقررت منذ تلك اللحظة أن نبدأ في العمل على كتاب الجمل.
بقيت هذه الغصّة في صدري إلى أن وفق المولى وقدمت أول نسخة لوالدنا الدكتور عبد الرحمن الأنصاري وهو على سرير المرض، ورأيت أنا وعائلته الكريمة بريق عينيه كان كافياً ليقول لي سيُذهب هذا السفر الموسوعي العظيم الغصّة من صدرك، فقد وفيت ما وعدت.
واليوم بحمد لله وتوفيقه نرى هذا الإصدار «الجمل عبر العصور» إهداءً منا إلى دكتورنا الكبير بقدره وعلمه، وتحقيقاً لرغبته العزيزة على قلبي منذ ما يقارب العشرين عاماً.
(التوحيد)، و(مساجد تشد إليها الرحال)، و(الفروسية) و(الجمل عبر العصور)، و(النخلة) في الأعوام القادمة -بإذن لله وتوفيقه- ستعكس رسالة (ليان الثقافية) للإبداع في صنع وابتكار منتجاتها، وليس فقط في جمع مقتنياتها.
نعم، الجمل عبر العصور مثال حي على رسالة وأسلوب (ليان الثقافية) حيث خلقت وتبلورت الفكرة في هذا الإصدار الموسوعي الذي استغرق ما يقارب السبعة أعوام من البحث في متاحف العالم عن أندر القطع التي تمثل تاريخ الجمل عبر العصور؛ يرصدها ويصورها ويدرسها ويحللها ؛ لتكون ببليوغرافية الكتاب. ثم الاستعانة بباحثين ومختصين لتتويج الجزء الثاني بأبحاثهم في مقالات يخصون بها عملنا الموسوعي. كما سعت (ليان الثقافية) لإعطاء مشاريعها أبعادا فنية متنوعة ومتميزة من خلال اقتناء لوحات فنية ومجسمات وصورا تاريخية من المزادات العالمية، وكذلك تكليف فنانين للقيام بأعمال فنية وموسيقية تضيف إلى مسيرتها الرائدة، ما يؤهلها لإقامة معارض ترتقي وتتماشى مع رسالتها السامية.
أهلاً وسهلًا بالجميع في هذه الليلة المباركة التي يجمعنا في رحلتها الجمل في هذا السفر الموسوعي عن سفينة الصحراء، ليضيف للمكتبة العربية والعالمية عملاً توثيقياً تشرفت به (ليان الثقافية) و(مكتبة الملك عبدالعزيز العامة) نثري به موروثنا الحضاري والثقافي والتاريخي والرياضي احتفاءً بهذا المخلوق المكرم، الذي ذكره المولى عزّ وجلّ في أكثر من آية في كتابه الحكيم. عسى أن يتقبل لله منا لوجهه تعالى هذا الجهد في تعزيز المعرفة ورصد التاريخ العلمي للحضارة العالمية.
ختاماً نهدي هذا العمل إلى كل مواطن عمل، أو استثمر أو حافظ على سفينة صحرائنا. شكراً (لإثراء) على كرم استضافتنا؛ فهي مصدر إثراء وإشعاع معرفي عبر ما تتبناه وتقدمه وتساهم به دعما وعطاء دائما يخدم رسالة وطننا المعطاء. شكراً للقائمين على هذا الصرح الكبير، وشكراً لكم الأصدقاء والأحباء لمشاركتنا ليلة الجِمالات الجميلة التي سوف تحملنا على سنام الثقافة والمعرفة، نقلب صفحات التاريخ عبر العصور، عزاً وشموخًا مع سفينة الصحراء.
وفق لله الجميع لما فيه الخير والنفع لخدمة الوطن والمواطن ولله ولي التوفيق.